فصل: قَتْلُ الْقُمَّلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


فِدْيَةُ الطَّائِرِ يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ‏}‏ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏}‏ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ الْمِثْلُ مِنْ النَّعَمِ إلَّا فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْهُ وَالْمِثْلُ لِدَوَابِّ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّ النَّعَمَ دَوَابُّ رَوَاتِعُ فِي الْأَرْضِ وَالدَّوَابُّ مِنْ الصَّيْدِ كَهِيَ فِي الرُّتُوعِ فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّهَا دَوَابُّ مَوَاشٍ لاَ طَوَائِرُ وَأَنَّ أَبْدَانَهَا تَكُونُ مِثْلَ أَبْدَانِ النَّعَمِ وَمُقَارِبَةً لَهَا وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الطَّيْرِ بِوَافِقٍ خَلْقَ الدَّوَابِّ فِي حَالٍ وَلاَ مَعَانِيهَا مَعَانِيهَا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَكَيْفَ تَفْدِي الطَّائِرَ، وَلاَ مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ‏؟‏ قِيلَ فِدْيَتُهُ بِالِاسْتِدْلاَلِ بِالْكِتَابِ ثُمَّ الْآثَارِ ثُمَّ الْقِيَاسِ وَالْمَعْقُولِ فَإِنْ قَالَ فَأَيْنَ الِاسْتِدْلاَل بِالْكِتَابِ‏؟‏ قِيلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا‏}‏ فَدَخَلَ الصَّيْدُ الْمَأْكُولُ كُلُّهُ فِي التَّحْرِيمِ وَوَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ فِيمَا لَهُ مِثْلٌ مِنْهُ أَنْ يُفْدَى بِمِثْلِهِ، فَلَمَّا كَانَ الطَّائِرُ لاَ مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ وَكَانَ مُحَرَّمًا وَوَجَدْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي بِقَضَاءٍ فِي الزَّرْعِ بِضَمَانِهِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَقْضُونَ فِيمَا كَانَ مُحَرَّمًا أَنْ يُتْلَفَ بِقِيمَتِهِ فَقَضَيْت فِي الصَّيْدِ مِنْ الطَّائِرِ بِقِيمَتِهِ بِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ فِي الْكِتَابِ وَقِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَجَعَلْت تِلْكَ الْقِيمَةَ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْمِثْلَ مِنْ الصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ الْمَقْضِيِّ بِجَزَائِهِ؛ لِأَنَّهُمَا مُحَرَّمَانِ مَعًا لاَ مَالِكَ لَهُمَا أُمِرَ بِوَضْعِ الْمُبْدَلِ مِنْهُمَا فِيمَنْ بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ مِنْ الْمَسَاكِينَ وَلاَ أَرَى فِي الطَّائِرِ إلَّا قِيمَتَهُ بِالْآثَارِ وَالْقِيَاسِ فِيمَا أَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى‏.‏

فِدْيَةُ الْحَمَامِ

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ الدَّارِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ قَالَ‏:‏ قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَكَّةَ فَدَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَقْرِبَ مِنْهَا الرَّوَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَلَى وَاقِفٍ فِي الْبَيْتِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ طَيْرٌ مِنْ هَذَا الْحَمَامِ فَأَطَارَهُ فَانْتَهَزَتْهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ فَلَمَّا صَلَّى الْجُمُعَةَ دَخَلْت عَلَيْهِ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ اُحْكُمَا عَلَيَّ فِي شَيْءٍ صَنَعْته الْيَوْمَ، إنِّي دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ وَأَرَدْت أَنْ أَسْتَقْرِبَ مِنْهَا الرَّوَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَلْقَيْت رِدَائِي عَلَى هَذَا الْوَاقِفِ فَوَقَعَ عَلَيْهِ طَيْرٌ مِنْ هَذَا الْحَمَامِ فَخَشِيت أَنْ يُلَطِّخَهُ بِسُلْحِهِ فَأَطَرْته عَنْهُ فَوَقَعَ عَلَى هَذَا الْوَاقِفِ الْآخَرِ فَانْتَهَزَتْهُ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ فَوَجَدْت فِي نَفْسِي أَنِّي أَطَرْته مِنْ مَنْزِلَةٍ كَانَ فِيهَا آمِنًا إلَى مَوْقِعَةٍ كَانَ فِيهَا حَتْفُهُ فَقُلْت‏:‏ لِعُثْمَانَ كَيْفَ تَرَى فِي عَنْزٍ ثَنِيَّةٍ عَفْرَاءَ نَحْكُمُ بِهَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ‏؟‏ قَالَ إنِّي أَرَى ذَلِكَ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ قَتَلَ ابْنٌ لَهُ حَمَامَةً فَجَاءَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ اذْبَحْ شَاةً فَتَصَدَّقْ بِهَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت لِعَطَاءٍ‏:‏ أَمِنْ حَمَامِ مَكَّةَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَفِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ دَلاَلَتَانِ‏:‏ إحْدَاهُمَا أَنَّ فِي حَمَامِ مَكَّةَ شَاةً وَالْأُخْرَى أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالْفِدَاءِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا قَالَ‏:‏ يَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنَّمَا يَعْنِي كُلَّهُ لاَ بَعْضَهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ، وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي الْحَمَامَةِ شَاةٌ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِحَمَامَةٍ فَأُطِيرَتْ فَوَقَعَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ فَأَخَذَتْهَا حَيَّةً فَجَعَلَ فِيهَا شَاةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَنْ أَصَابَ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ بِمَكَّةَ حَمَامَةً فَفِيهَا شَاةٌ، اتِّبَاعًا لِهَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ لاَ قِيَاسًا‏.‏

فِي الْجَرَادِ

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي عَمَّارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَكَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي أُنَاسٍ مُحْرِمِينَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ وَكَعْبٌ عَلَى نَارٍ يَصْطَلِي مَرَّتْ بِهِ رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ، فَأَخَذَ جَرَادَتَيْنِ فَمَلَّهُمَا وَنَسِيَ إحْرَامَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ إحْرَامَهُ فَأَلْقَاهُمَا‏.‏ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ دَخَلَ الْقَوْمُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَدَخَلْت مَعَهُمْ‏.‏ فَقَصَّ كَعْبٌ قِصَّةَ الْجَرَادَتَيْنِ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ مَنْ بِذَلِكَ أَمَرَك يَا كَعْبُ قَالَ‏:‏ نَعَمْ قَالَ إنَّ حِمْيَرَ تُحِبُّ الْجَرَادَ قَالَ مَا جَعَلْت فِي نَفْسِك‏؟‏ قَالَ دِرْهَمَيْنِ قَالَ‏:‏ بَخٍ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ اجْعَلْ مَا جَعَلْت فِي نَفْسِك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلاَئِلُ مِنْهَا‏:‏ إحْرَامُ مُعَاذٍ وَكَعْبٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ وَرَاءَ الْمِيقَاتِ بِكَثِيرٍ، وَفِيهِ أَنَّ كَعْبًا قَتَلَ الْجَرَادَتَيْنِ حِينَ أَخَذَهُمَا بِلاَ ذَكَاةٍ، وَهَذَا كُلُّهُ قَدْ قُصَّ عَلَى عُمَرَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ وَقَوْلُ عُمَرَ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ، أَنَّك تَطَوَّعْت بِمَا لَيْسَ عَلَيْك فَافْعَلْهُ مُتَطَوِّعًا، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ‏:‏ فِيهَا قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَلَنَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ، وَلَكِنْ وَلَوْ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا رَأَى عَلَيْهِ قِيمَةَ الْجَرَادَةِ وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِيَاطِ وَفِي الْجَرَادَةِ قِيمَتُهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصِيبُهَا فِيهِ كَانَ تَمْرَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَوْمِ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- وَوَجَدْت مَذْهَبَ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ فِي الْجَرَادَةِ أَنَّ فِيهَا قِيمَتَهَا وَوَجَدْت كَذَلِكَ مَذْهَبَهُمْ أَنَّ فِي دَوَابِّ الصَّيْدِ مِثْلَهُ مِنْ النَّعَمِ بِلاَ قِيمَةٍ؛ لِأَنَّ الضَّبُعَ لاَ يَسْوَى كَبْشًا‏.‏ وَالْغَزَالَ قَدْ يَسْوَى عَنْزًا وَلاَ يَسْوَى عَنْزًا وَالْيَرْبُوعَ لاَ يَسْوَى جَفْرَةً وَالْأَرْنَبَ لاَ يَسْوَى عَنَاقًا‏.‏ قَلَّمَا رَأَيْتهمْ ذَهَبُوا فِي دَوَابِّ الصَّيْدِ عَلَى تَقَارُبِ الْأَبْدَانِ لاَ الْقِيَمِ لِمَا وَصَفْت وَلِأَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي بُلْدَانٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَزْمَانٍ شَتَّى، وَلَوْ حَكَمُوا بِالْقِيَمِ لاَخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمْ لِاخْتِلاَفِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانُ وَلَقَالُوا فِيهِ قِيمَتُهُ كَمَا قَالُوا فِي الْجَرَادَةِ وَوَجَدْت مَذَاهِبَهُمْ مُجْتَمِعَةً عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ فِي الدَّوَابِّ وَالطَّائِرِ لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ فِي الدَّوَابِّ مِثْلاً مِنْ النَّعَمِ وَفِي الْجَرَادَةِ مِنْ الطَّائِرِ قِيمَةٌ وَفِيمَا دُونَ الْحَمَامِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ثُمَّ وَجَدْت مَذَاهِبَهُمْ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَمَامِ وَبَيْنَ الْجَرَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُحِيطُ أَنْ لَيْسَ يَسْوَى حَمَامُ مَكَّةَ شَاةً وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فَإِنَّمَا فِيهِ أَتْبَاعُهُمْ؛ لِأَنَّا لاَ نَتَوَسَّعُ فِي خِلاَفِهِمْ، إلَّا إلَى مِثْلِهِمْ وَلَمْ نَعْلَمْ مِثْلَهُمْ خَالَفَهُمْ‏.‏ وَالْفَرْقُ بَيْنَ حَمَامِ مَكَّةَ وَمَا دُونَهُ مِنْ صَيْدِ الطَّيْرِ يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ لاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِمَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ مِنْ أَنَّ الْحَمَامَ عِنْدَهُمْ أَشْرَفُ الطَّائِرِ وَأَغْلاَهُ ثَمَنًا بِأَنَّهُ الَّذِي كَانَتْ تُؤْلَفُ فِي مَنَازِلِهِمْ وَتَرَاهُ أَعْقَلَ الطَّائِرِ وَأَجْمَعَهُ لِلْهِدَايَةِ بِحَيْثُ يُؤْلَفُ، وَسُرْعَةُ الْأُلْفَةِ وَأَصْوَاتُهُ الَّتِي لَهَا عِنْدَهُمْ فَضْلٌ لِاسْتِحْسَانِهِمْ هَدِيرَهَا، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَمْتِعُونَ بِهَا لِأَصْوَاتِهَا وَإِلْفِهَا وَهِدَايَتِهَا وَفِرَاخِهَا وَكَانَتْ مَعَ هَذَا مَأْكُولَةً وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ مَأْكُولِ الطَّائِرِ يُنْتَفَعُ بِهِ عِنْدَهَا إلَّا لاََنْ يُؤْكَلَ فَيُقَالُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الطَّائِرِ سَمَّتْهُ الْعَرَبُ حَمَامَةً فَفِيهِ شَاةٌ وَذَلِكَ الْحَمَامُ نَفْسُهُ وَالْيَمَامُ وَالْقَمَارِيُّ وَالدَّبَّاسِيُّ وَالْفَوَاخِتُ وَكُلُّ مَا أَوْقَعَتْ الْعَرَبُ عَلَيْهِ اسْمَ حَمَامَةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ حَمَامُ الطَّائِرِ نَاسُ الطَّائِرِ أَيْ يَعْقِلُ عَقْلَ النَّاسِ وَذَكَرَتْ الْعَرَبُ الْحَمَامَ فِي أَشْعَارِهَا‏:‏ فَقَالَ الْهُذَلِيُّ‏:‏ وَذَكَّرَنِي بُكَايَ عَلَى تَلِيدٍ حَمَامَةَ أَنْ تَجَاوَبَتْ الْحَمَامَا وَقَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ أَحِنُّ إذَا حَمَامَةُ بَطْنِ وَجٍّ تَغَنَّتْ فَوْقَ مَرْقَبَةٍ حُنَيْنًا وَقَالَ جَرِيرٌ‏:‏ إنِّي تُذَكِّرُنِي الزُّبَيْرَ حَمَامَةٌ تَدْعُو بِمِدْفَعِ رَامَتَيْنِ هَدِيلاً قَالَ الرَّبِيعُ وَقَالَ الشَّاعِرُ‏:‏ وَقَفْت عَلَى الرَّسْمِ الْمُحِيلِ فَهَاجِنِي بُكَاءُ حَمَامَاتٍ عَلَى الرَّسْمِ وُقَّعِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَعَ شِعْرٍ كَثِيرٍ قَالُوهُ فِيهَا، ذَهَبُوا فِيهِ إلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ أَصْوَاتِهَا غِنَاءٌ وَبُكَاءٌ مَعْقُولٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّائِرِ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَمَامِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَيُقَالُ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَمَامِ مِنْ الطَّائِرِ، فِيهِ شَاةٌ لِهَذَا الْفَرْقِ بِاتِّبَاعِ الْخَبَرِ عَمَّنْ سَمَّيْت فِي حَمَامِ مَكَّةَ وَلاَ أَحْسَبُهُ يُذْهَبُ فِيهِ مَذْهَبٌ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ مِنْ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَمَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ اسْمُ حَمَامَةٍ مِمَّا دُونَهَا أَوْ فَوْقَهَا فَفِيهِ قِيمَتُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَابُ فِيهِ‏.‏

الْخِلاَفُ فِي حَمَامِ مَكَّةَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَدْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ فِي حَمَامِ مَكَّةَ شَاةً وَمَا سِوَاهُ مِنْ حَمَامٍ غَيْرِ حَمَامِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّائِرِ قِيمَتَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَدْخُلُ عَلَى الَّذِي قَالَ فِي حَمَامِ مَكَّةَ شَاةٌ إنْ كَانَ إنَّمَا جَعَلَهُ لِحُرْمَةِ الْحَمَامِ نَفْسِهِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى مَنْ قَتَلَ حَمَامَ مَكَّةَ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ وَفِي غَيْرِ إحْرَامٍ شَاةً‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ شَيْءَ فِي حَمَامِ مَكَّةَ إذَا قَتَلَ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ وَقَتَلَهُ غَيْرُ مُحْرِمٍ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَهُ فَلَيْسَ لِحَمَامِ مَكَّةَ إلَّا مَا لِحَمَامِ غَيْرِ مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ جُمِعَ أَنَّهُ فِي الْحَرَمِ وَمِنْ حَمَامِ مَكَّةَ انْبَغَى أَنْ يَقُولَ هَذَا فِي كُلِّ صَيْدٍ غَيْرِهِ قُتِلَ فِي الْحَرَمِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُهُ أَنَّ الصَّيْدَ يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ الْقَارِنُ فِي الْحَرَمِ كَالصَّيْدِ يَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ الْمُفْرِدُ أَوْ الْمُعْتَمِرُ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ وَمَا قَالَ مِنْ هَذَا قَوْلٌ إذَا كُشِفَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ وَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ فِيهِ شَاةٌ وَلاَ يَكُونُ فِي غَيْرِ حَمَامِ الْحَرَمِ شَاةٌ إذَا كَانَ قَوْلُهُ إنَّ حَمَامَ الْحَرَمِ إذَا أُصِيبَ خَارِجًا مِنْهُ فِي غَيْرِ إحْرَامٍ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنْ أَصَابَ الْمُحْرِمُ حَمَامَةً خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَإِنْ أَصَابَ مِنْ حَمَامِ الْحَرَمِ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ شَاةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا وَجْهٌ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي حَكَيْت قَبْلَهُ وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ يَصِحُّ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي حَمَامِ مَكَّةَ إذَا أُصِيبَ خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ وَفِي غَيْرِ إحْرَامٍ فِدْيَةً وَلاَ أَحْسَبُهُ يَقُولُ هَذَا، وَلاَ أَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُهُ وَقَدْ ذَهَبَ عَطَاءٌ فِي صَيْدِ الطَّيْرِ مَذْهَبًا يُتَوَجَّهُ وَمَذْهَبُنَا الَّذِي حَكَيْنَا أَصَحُّ مِنْهُ لِمَا وَصَفْت وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِي كُلِّ شَيْءٍ صِيدَ مِنْ الطَّيْرِ الْحَمَامَةِ فَصَاعِدًا شَاةٌ وَفِي الْيَعْقُوبِ وَالْحَجَلَةِ وَالْقَطَاةِ وَالْكَرَوَانُ وَالْكُرْكِيِّ وَابْنِ الْمَاءِ وَدَجَاجَةِ الْحَبَشِ وَالْخَرَبِ شَاةٌ شَاةٌ فَقُلْت‏:‏ لِعَطَاءٍ‏:‏ أَرَأَيْت الْخَرَبَ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ شَيْءٍ رَأَيْته قَطُّ مِنْ صَيْدِ الطَّيْرِ أَيُخْتَلَفُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَاةٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ صَيْدِ الطَّيْرِ كَانَ حَمَامَةً فَصَاعِدًا فَفِيهِ شَاةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنَّمَا تَرَكْنَاهُ عَلَى عَطَاءٍ لِمَا وَصَفْنَا وَأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُهُ إذَا جَعَلَ فِي الْحَمَامَةِ شَاةً لاَ لِفَضْلِ الْحَمَامَةِ وَمُبَايَنَتِهَا مَا سِوَاهَا أَنْ يَزِيدَ فِيمَا جَاوَزَهَا مِنْ الطَّائِرِ عَلَيْهَا لاَ يَسْتَقِيمُ إلَّا هَذَا إذَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِمَا فَرَّقْنَا بِهِ بَيْنَهُمَا‏.‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فِي الْقُمْرِيِّ وَالدُّبْسِيِّ شَاةٌ شَاةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَعَامَّةُ الْحَمَامِ مَا وَصَفْت، مَا عَبَّ فِي الْمَاءِ عَبًّا مِنْ الطَّائِرِ فَهُوَ حَمَامٌ، وَمَا شَرِبَهُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَشُرْبِ الدَّجَاجِ فَلَيْسَ بِحَمَامٍ‏.‏ وَهَكَذَا أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ‏.‏

بَيْضُ الْحَمَامِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَفِي بَيْضِ حَمَامِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَمَامِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَبِيضُ مِنْ الصَّيْدِ الَّذِي يُؤَدِّي فِيهِ قِيمَتَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ كَمَا قُلْنَا فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ بِالْحَالِ الَّتِي يَكْسِرُهَا بِهَا، فَإِنْ كَسَرَهَا لاَ فَرْخَ فِيهَا فَفِيهَا قِيمَةُ بَيْضَةٍ وَإِنْ كَسَرَهَا وَفِيهَا فَرْخٌ فَفِيهَا قِيمَةُ بَيْضَةٍ فِيهَا فَرْخٌ لَوْ كَانَتْ لِإِنْسَانٍ فَكَسَرَهَا غَيْرُهُ وَإِنْ كَسَرَهَا فَاسِدَةً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا كَمَا لاَ يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِيهَا لَوْ كَسَرَهَا لِأَحَدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُ عَطَاءٍ‏.‏ فِي بَيْضِ الْحَمَامِ خِلاَفُ قَوْلِنَا فِيهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ‏:‏ كَمْ فِي بَيْضَةِ حَمَامِ مَكَّةَ‏؟‏

قال‏:‏ نِصْفُ دِرْهَمٍ بَيْنَ الْبَيْضَتَيْنِ دِرْهَمٌ، وَإِنْ كَسَرْت بَيْضَةً فِيهَا فَرْخٌ فَفِيهَا دِرْهَمٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَرَى عَطَاءً أَرَادَ بِقَوْلِهِ هَذَا الْقِيمَةَ يَوْمَ قَالَهُ، فَإِنْ كَانَ أَرَادَ هَذَا فَاَلَّذِي نَأْخُذُ بِهِ‏:‏ قِيمَتُهَا فِي كُلِّ مَا كَسَرْت‏.‏ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَذَا حُكْمًا فِيهَا، فَلاَ نَأْخُذُ بِهِ‏.‏

الطَّيْرُ غَيْرُ الْحَمَامِ

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَمْ أَرَ الضُّوَعَ أَوْ الضِّوَعَ شَكَّ الرَّبِيعُ فَإِنْ كَانَ حَمَامًا فَفِيهِ شَاةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الضُّوَعُ طَائِرٌ دُونَ الْحَمَامِ وَلَيْسَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَمَامِ فَفِيهِ قِيمَتُهُ وَفِي كُلِّ طَائِرٍ أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ غَيْرَ حَمَامٍ فَفِيهِ قِيمَتُهُ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ الْحَمَامِ أَوْ أَصْغَرَ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي الصَّيْدِ‏:‏ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَخَرَجَ الطَّائِرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ وَكَانَ مَعْرُوفًا بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي التَّحْرِيمِ فَالْمِثْلُ فِيهِ بِالْقِيمَةِ إذَا كَانَ لاَ مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَرَادَةِ وَقَوْلِ مَنْ وَافَقَهُمْ فِيهَا وَفِي الطَّائِرِ دُونَ الْحَمَامِ، وَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ فِي الطَّائِرِ قَوْلاً إنْ كَانَ قَالَهُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمئِذٍ ثَمَنُ الطَّائِرِ فَهُوَ مُوَافِقٌ قَوْلَنَا، وَإِنْ كَانَ قَالَهُ تَحْدِيدًا لَهُ خَالَفْنَاهُ فِيهِ لِلْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِ فِي الْجَرَادِ، وَأَحْسَبُهُ عَمَدَ بِهِ إلَى أَنْ يُحَدَّدَ بِهِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحَدَّدَ إلَّا بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أَمْرٍ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ أَوْ قِيَاسٍ وَلَوْلاَ أَنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي حَمَامِ مَكَّةَ مَا فَدَيْنَاهُ بِشَاةٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِيَاسٍ وَبِذَلِكَ تَرَكْنَا عَلَى عَطَاءٍ تَحْدِيدَهُ فِي الطَّائِرِ فَوْقَ الْحَمَامِ وَدُونَهُ وَفِي بَيْضِ الْحَمَامِ وَلَمْ نَأْخُذْ مَا أَخَذْنَا مِنْ قَوْلِهِ إلَّا بِأَمْرٍ وَافَقَ كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثَرًا لاَ مُخَالِفَ لَهُ أَوْ قِيَاسًا، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ مَا حَدُّ مَا قَالَ عَطَاءٌ فِيهِ‏؟‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي عَطَاءٌ فِي الْعَصَافِيرِ قَوْلاً بَيَّنَ لِي فِيهِ وَفَسَّرَ قَالَ‏:‏ أَمَّا الْعُصْفُورُ فَفِيهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ وَأَرَى الْهُدْهُدَ دُونَ الْحَمَامَةِ وَفَوْقَ الْعُصْفُورِ فَفِيهِ دِرْهَمٌ قَالَ عَطَاءٌ وَالْكُعَيْتُ عُصْفُورٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَمَّا قَالَ مِنْ هَذَا تَرَكْنَا قَوْلَهُ إذَا كَانَ فِي عُصْفُورٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ عِنْدَهُ، وَفِي هُدْهُدٍ دِرْهَمٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْنَ الْحَمَامَةِ وَبَيْنَ الْعُصْفُورِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ فِي الْهُدْهُدِ لِقُرْبِهِ مِنْ الْحَمَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ دِرْهَمٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ‏:‏ فَأَمَّا الْوَطْوَاطُ وَهُوَ فَوْقَ الْعُصْفُورِ وَدُونَ الْهُدْهُدِ فَفِيهِ ثُلُثَا دِرْهَمٍ‏.‏

باب الْجَرَادِ

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ سَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ صَيْدِ الْجَرَادِ فِي الْحَرَمِ فَقَالَ‏:‏ لاَ، وَنَهَى عَنْهُ قَالَ أَنَا قُلْت لَهُ‏:‏ أَوْ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَإِنَّ قَوْمَك يَأْخُذُونَهُ وَهُمْ مُحْتَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ لاَ يَعْلَمُونَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ مُنْحَنُونَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمُسْلِمٌ أَصْوَبُهُمَا وَرَوَى الْحُفَّاظُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مُنْحَنُونَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ فِي الْجَرَادَةِ يَقْتُلُهَا وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ إذًا يَغْرَمُهَا، الْجَرَادَةُ صَيْدٌ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنَا بُكَيْر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَمِعْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ كُنْت جَالِسًا عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ جَرَادَةٍ قَتَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ‏.‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فِيهَا قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ وَلَنَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ وَلَكِنْ وَلَوْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُهُ وَلَنَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ إنَّمَا فِيهَا الْقِيمَةُ وَقَوْلُهُ وَلَوْ يَقُولُ تَحْتَاطُ فَتُخْرِجُ أَكْثَرَ مِمَّا عَلَيْك بَعْدَ أَنْ أَعْلَمْتُك أَنَّهُ أَكْثَرُ مِمَّا عَلَيْك أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَقْبَلَ مَعَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَكَعْبٌ رَوَى الْحَدِيثَ وَهُوَ مُعَادٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَوْلُ عُمَرَ دِرْهَمَانِ خَيْرٌ مِنْ مِائَةِ جَرَادَةٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَرَى فِي الْجَرَادِ إلَّا قِيمَتَهُ وَقَوْلُهُ اجْعَلْ مَا جَعَلْت فِي نَفْسِك أَنَّك هَمَمْت بِتَطَوُّعٍ بِخَيْرٍ فَافْعَلْ لاَ أَنَّهُ عَلَيْك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالدُّبَّا جَرَادٌ صِغَارٌ فَفِي الدباة مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ تَمْرَةٍ إنْ شَاءَ الَّذِي يَفْدِيهِ أَوْ لُقْمَةٍ صَغِيرَةٍ وَمَا فَدَى بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً عَنْ الدُّبَّا أَقْتُلُهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ، هَا اللَّهِ إذًا فَإِنْ قَتَلْته فَاغْرَمْ قُلْت‏:‏ مَا أَغْرَمُ‏؟‏ قَالَ قَدْرَ مَا تَغْرَمُ فِي الْجَرَادَةِ ثُمَّ أُقَدِّرُ قَدْرَ غَرَامَتِهَا مِنْ غَرَامَةِ الْجَرَادَةِ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت‏:‏ لِعَطَاءٍ‏:‏ قَتَلْت وَأَنَا حَرَامٌ جَرَادَةً أَوْ دُبَّا وَأَنَا لاَ أَعْلَمُهُ أَوْ قَتَلَ ذَلِكَ بَعِيرِي وَأَنَا عَلَيْهِ قَالَ‏:‏ اغْرَمْ كُلَّ ذَلِكَ تُعَظِّمْ بِذَلِكَ حُرُمَاتِ اللَّهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا كَانَ الْمُحْرِمُ عَلَى بَعِيرِهِ أَوْ يَقُودُهُ أَوْ يَسُوقُهُ غَرِمَ مَا أَصَابَ بَعِيرُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ بَعِيرُهُ مُتَفَلِّتًا لَمْ يَغْرَمْ مَا أَصَابَ بَعِيرُهُ مِنْهُ‏.‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِي جَرَادَةٍ إذَا مَا أَخَذَهَا الْمُحْرِمُ، قَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ‏.‏

بَيْضُ الْجَرَادِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا كَسَرَ بَيْضَ الْجَرَادِ فَدَاهُ وَمَا فَدَى بِهِ كُلَّ بَيْضَةٍ مِنْهُ مِنْ طَعَامٍ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهَا وَإِنْ أَصَابَ بَيْضًا كَثِيرًا احْتَاطَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ أَدَّى قِيمَتَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ قِيَاسًا عَلَى بَيْضِ كُلِّ صَيْدٍ‏.‏

باب الْعِلَلِ فِيمَا أَخَذَ مِنْ الصَّيْدِ لِغَيْرِ قَتْلِهِ

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِي إنْسَانٍ أَخَذَ حَمَامَةً يُخَلِّصُ مَا فِي رِجْلِهَا فَمَاتَتْ‏؟‏ قَالَ مَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَهُ إذَا أَخَذَهَا لِيُخَلِّصَهَا مِنْ شَيْءٍ مَا كَانَ مِنْ فِي هِرٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ شِقِّ جِدَارٍ لَحَجَّتْ فِيهِ أَوْ أَصَابَتْهَا لَدْغَةٌ فَسَقَاهَا تِرْيَاقًا أَوْ غَيْرَهُ لِيُدَاوِيَهَا وَكَانَ أَصْلُ أَخْذِهَا لِيَطْرَحَ مَا يَضُرُّهَا عَنْهَا أَوْ يَفْعَلَ بِهَا مَا يَنْفَعُهَا لَمْ يَضْمَنْ وَقَالَ‏:‏ هَذَا فِي كُلِّ صَيْدٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا وَجْهٌ مُحْتَمَلٌ وَلَوْ قَالَ رَجُلٌ هُوَ ضَامِنٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ صَلاَحًا فَقَدْ تَلِفَ عَلَى يَدَيْهِ كَانَ وَجْهًا مُحْتَمَلاً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ بَيْضَةُ حَمَامَةٍ وَجَدْتهَا عَلَى فِرَاشِي‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَمِطْهَا عَنْ فِرَاشِك قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت‏:‏ لِعَطَاءٍ وَكَانَتْ فِي سَهْوَةٍ أَوْ فِي مَكَان فِي الْبَيْتِ كَهَيْئَةِ ذَلِكَ مُعْتَزِلٍ قَالَ‏:‏ فَلاَ تُمِطْهَا أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ لاَ تُخْرِجْ بَيْضَةَ الْحَمَامَةِ الْمَكِّيَّةِ وَفَرْخَهَا مِنْ بَيْتِك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا قَوْلٌ وَبِهِ آخُذُ‏.‏ فَإِنْ أَخْرَجَهَا فَتَلِفَتْ ضَمِنَ وَهَذَا وَجْهٌ يُحْتَمَلُ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يُزِيلَ عَنْ فِرَاشِهِ إذَا لَمْ يَكْسِرْهُ فَلَوْ فَسَدَتْ بِإِزَالَتِهِ بِنَقْلِ الْحَمَامِ عَنْهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَيُحْتَمَلُ إنْ فَسَدَتْ بِإِزَالَتِهِ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ الْحَمَامُ لَوْ وَقَعَ عَلَى فِرَاشِهِ فَأَزَالَهُ عَنْ فِرَاشِهِ فَتَلِفَ بِإِزَالَتِهِ عَنْ فِرَاشِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ‏.‏ كَمَا أَزَالَ عُمَرُ الْحَمَامَ عَنْ رِدَائِهِ فَتَلِفَ بِإِزَالَتِهِ فَفَدَاهُ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَإِنْ كَانَ جَرَادٌ أَوْ دُبَّا وَقَدْ أَخَذَ طَرِيقَك كُلَّهَا وَلاَ تَجِدُ مَحِيصًا عَنْهَا وَلاَ مَسْلَكًا فَقَتَلْته فَلَيْسَ عَلَيْك غُرْمٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَعْنِي إنْ وَطِئْته، فَأَمَّا أَنْ تَقْتُلَهُ بِنَفْسِهِ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ فَتَغْرَمَهُ لاَ بُدَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَوْلُهُ هَذَا يُشْبِهُ قَوْلَهُ فِي الْبَيْضَةِ تُمَاطُ عَنْ الْفِرَاشِ وَقَدْ يَحْتَمِلُ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ قِيَاسٌ عَلَى مَا صَنَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي إزَالَتِهِ الْحَمَامَ عَنْ رِدَائِهِ فَأَتْلَفَتْهُ حَيَّةٌ فَفَدَاهُ‏.‏

نَتْفُ رِيشِ الطَّائِرِ

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ الشَّافِعِيّ مَنْ نَتَفَ رِيشَ حَمَامَةٍ أَوْ طَيْرٍ مِنْ طَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ بِقَدْرِ مَا نَتَفَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَقُولُ‏.‏ يُقَوِّمُ الطَّائِرَ عَافِيًا وَمَنْتُوفًا ثُمَّ يَجْعَلُ فِيهِ قَدْرَ مَا نَقَصَهُ مِنْ قِيمَتِهِ مَا كَانَ يَطِيرُ مُمْتَنِعًا مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ فَإِنْ تَلِفَ بَعْدُ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَفْدِيَهُ بِجَمِيعِ مَا فِيهِ لاَ بِمَا ذَهَبَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ تَلِفَ مِنْ نَتْفِهِ، وَالْقِيَاسُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا طَارَ مُمْتَنِعًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ نَتْفِهِ‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ كَانَ الْمَنْتُوفُ مِنْ الطَّائِرِ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَحَبَسَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ حَيْثُ شَاءَ فَأَلْقَطَهُ وَسَقَاهُ حَتَّى يَطِيرَ مُمْتَنِعًا فَدَى مَا نَقَصَ النَّتْفُ مِنْهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ أَخَّرَ فِدَاءَهُ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَصْنَعُ فَدَاهُ احْتِيَاطًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لاَ يَفْدِيَهُ حَتَّى يَعْلَمَهُ تَلِفَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا أَصَابَهُ فِي حَالِ نَتْفِهِ فَأَتْلَفَهُ ضَمِنَ فِيهِ التَّالِفُ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَهُ الِامْتِنَاعُ، وَإِنْ طَارَ طَيَرَانًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ بِهِ كَانَ كَمَنْ لاَ يَطِيرُ فِي جَمِيعِ جَوَابِنَا حَتَّى يَكُونَ طَيَرَانُهُ طَيَرَانًا مُمْتَنِعًا وَمَنْ رَمَى طَيْرًا فَجَرَحَهُ جُرْحًا يَمْتَنِعُ مَعَهُ أَوْ كَسَرَهُ كَسْرًا لاَ يَمْتَنِعُ مَعَهُ الْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِي نَتْفِ رِيشِ الطَّائِرِ سَوَاءً لاَ يُخَالِفُهُ؛ فَإِنْ حَبَسَهُ حَتَّى يُجْبَرَ وَيَصِيرَ مُمْتَنِعًا قُوِّمَ صَحِيحًا وَمَكْسُورًا ثُمَّ غَرِمَ فَضْلَ مَا بَيْنَ قِيمَتَيْهِ مِنْ قِيمَةِ جَزَائِهِ وَإِنْ كَانَ جَبْرَ أَعْرَجَ لاَ يَمْتَنِعُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ صَيَّرَهُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ بِحَالٍ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنْ رَمَى حَرَامٌ صَيْدًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ لَمْ يَدْرِ مَا فَعَلَ الصَّيْدُ فَلْيَغْرَمْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا احْتِيَاطٌ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَرَاهُ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ فِي حَرَامٍ أَخَذَ صَيْدًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ فَمَاتَ بَعْدَمَا أَرْسَلَهُ يَغْرَمُهُ؛ قَالَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ إذَا لَمْ يَدْرِ لَعَلَّهُ مَاتَ مِنْ أَخْذِهِ إيَّاهُ أَوْ مَاتَ مِنْ إرْسَالِهِ لَهُ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إنْ أَخَذَتْهُ ابْنَتُهُ فَلَعِبَتْ بِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا فَعَلَ فَلْيَتَصَدَّقْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَجْزِيَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقِيَاسِ حَتَّى يَعْلَمَهُ تَلِفَ‏.‏

الْجَنَادِبُ وَالْكَدْمُ

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ كَيْفَ تَرَى فِي قَتْلِ الْكَدْمِ وَالْجُنْدُبِ أَتَرَاهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْجَرَادَةِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لاَ‏.‏ الْجَرَادَةُ صَيْدٌ يُؤْكَلُ وَهُمَا لاَ يُؤْكَلاَنِ وَلَيْسَتَا بِصَيْدٍ فَقُلْت‏:‏ أَقْتُلُهُمَا‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مَا أُحِبُّ فَإِنْ قَتَلْتهمَا فَلَيْسَ عَلَيْك شَيْءٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إنْ كَانَا لاَ يُؤْكَلاَنِ فَهُمَا- كَمَا قَالَ عَطَاءٌ- سَوَاءٌ‏.‏ لاَ أُحِبُّ أَنْ يُقْتَلاَ وَإِنْ قُتِلاَ فَلاَ شَيْءَ فِيهِمَا وَكُلُّ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلاَ يَفْدِيهِ الْمُحْرِمُ‏.‏

قَتْلُ الْقُمَّلِ

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ سَمِعْت مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ قَالَ كُنْت عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَخَذْت قَمْلَةً فَأَلْقَيْتهَا ثُمَّ طَلَبْتهَا فَلَمْ أَجِدْهَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تِلْكَ ضَالَّةٌ لاَ تُبْتَغَى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ مَنْ قَتَلَ مِنْ الْمُحْرِمِينَ قَمْلَةً ظَاهِرَةً عَلَى جَسَدِهِ أَوْ أَلْقَاهَا أَوْ قَتَلَ قَمْلاً حَلاَلٌ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَالْقَمْلَةُ لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَوْ كَانَتْ صَيْدًا كَانَتْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ فَلاَ تُفْدَى وَهِيَ مِنْ الْإِنْسَانِ لاَ مِنْ الصَّيْدِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ رَأْسِهِ فَقَتَلَهَا أَوْ طَرَحَهَا افْتَدَى بِلُقْمَةٍ وَكُلُّ مَا افْتَدَى بِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا وَإِنَّمَا قُلْنَا يُفْتَدَى إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ رَأْسِهِ فَقَتَلَهَا أَوْ طَرَحَهَا؛ لِأَنَّهَا كَالْإِمَاطَةِ لِلْأَذَى فَكَرِهْنَاهُ كَرَاهِيَةَ قَطْعِ الظُّفُرِ وَالشَّعْرِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالصِّئْبَانُ كَالْقُمَّلِ فِيمَا أَكْرَهُ مِنْ قَتْلِهَا وَأُجِيزُ‏.‏

الْمُحْرِمُ يَقْتُلُ الصَّيْدَ الصَّغِيرَ أَوْ النَّاقِصَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْمِثْلُ مِثْلُ صِفَةِ مَا قَتَلَ وَشَبَهُهُ، الصَّحِيحُ بِالصَّحِيحِ وَالنَّاقِصُ بِالنَّاقِصِ وَالتَّامُّ بِالتَّامِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ تَحْتَمِلُ الْآيَةُ إلَّا هَذَا وَلَوْ تَطَوَّعَ فَأَعْطَى بِالصَّغِيرِ وَالنَّاقِصِ تَامًّا كَبِيرًا كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ‏.‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ‏:‏ أَرَأَيْت لَوْ قَتَلْت صَيْدًا فَإِذَا هُوَ أَعْوَرُ أَوْ أَعْرَجُ أَوْ مَنْقُوصٌ فَمِثْلُهُ أَغْرَمُ إنْ شِئْت‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْت‏:‏ لَهُ وَوَافٍ أَحَبُّ إلَيْك‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ قَتَلْت وَلَدَ ظَبْيٍ فَفِيهِ وَلَدُ شَاةٍ مِثْلُهُ أَوْ قَتَلْت وَلَدَ بَقَرَةٍ وَحْشِيٍّ فَفِيهِ وَلَدُ بَقَرَةٍ إنْسِيٌّ مِثْلُهُ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ قَتَلْت وَلَدَ طَائِرٍ فَفِيهِ وَلَدُ شَاةٍ مِثْلُهُ فَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ‏.‏

مَا يَتَوَالَدُ فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْ الصَّيْدِ وَأَهِلَ بِالْقُرَى

أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت كُلَّ صَيْدٍ قَدْ أَهِلَ بِالْقُرَى فَتَوَالَدَ بِهَا مِنْ صَيْدِ الطَّيْرِ وَغَيْرِهِ أَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏.‏ وَلاَ تَذْبَحْهُ وَأَنْتَ مُحْرِمٌ وَلاَ مَا وُلِدَ فِي الْقَرْيَةِ، أَوْلاَدُهَا بِمَنْزِلَةِ أُمَّهَاتِهَا أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى دَاجِنَةَ الطَّيْرِ وَالظِّبَاءِ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ بِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا هَذَا وَلَوْ جَازَ إذَا تَحَوَّلَتْ حَالُ الصَّيْدِ عَنْ التَّوَحُّشِ إلَى الِاسْتِئْنَاسِ أَنْ يَصِيرَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْإِنْسِيِّ جَازَ لِلْمُحْرِمِ ذَبْحُهُ وَأَنْ يُضَحِّيَ بِهِ وَيَجْزِي بِهِ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ وَجَازَ إذَا تَوَحَّشَ الْإِنْسِيُّ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالشَّاءِ أَنْ يَكُونَ صَيْدًا يَجْزِيهِ الْمُحْرِمُ لَوْ ذَبَحَهُ أَوْ قَتَلَهُ وَلاَ يُضَحِّي بِهِ وَلاَ يَجْزِي بِهِ غَيْرَهُ، وَلَكِنَّ كُلَّ هَذَا عَلَى أَصْلِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اشْتَرَكَ الْوَحْشِيُّ فِي الْوَلَدِ أَوْ الْفَرْخِ، لَمْ يَجُزْ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ فَدَاهُ كُلَّهُ كَامِلاً‏.‏ وَأَيَّ أَبَوَيَّ الْوَلَدِ وَالْفَرْخِ كَانَ أُمًّا أَوْ أَبًا وَذَلِكَ أَنْ يَنْزُوَ حِمَارٌ وَحْشِيٌّ أَتَانًا أَهْلِيَّةً أَوْ حِمَارٌ أَهْلِيٌّ أَتَانًا وَحْشِيَّةً فَتَلِدُ أَوْ يَعْقُوبُ دَجَاجَةً أَوْ دِيكٌ يَعْقُوبَةَ فَتَبِيضُ أَوْ تُفْرِخُ فَكُلُّ هَذَا إذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ فَدَاهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنْهُ عَلَى الْمُحْرِمِ يَخْتَلِطُ بِالْحَلاَلِ لَهُ لاَ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ وَكُلُّ حَرَامٍ اخْتَلَطَ بِحَلاَلٍ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ مِنْهُ حُرِّمَ كَاخْتِلاَطِ الْخَمْرِ بِالْمَأْكُولِ وَمَا أَشْبَهُ هَذَا، وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى قَاتِلٍ شَيْءٌ مِنْ هَذَا أَخَلَطَهُ وَحْشِيٌّ أَوْ لَمْ يَخْلِطْهُ أَوْ مَا قَتَلَ مِنْهُ وَحْشِيٌّ أَوْ إنْسِيٌّ فَدَاهُ احْتِيَاطًا وَلَمْ يَجِبْ فِدَاؤُهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنْ قَدْ قَتَلَ وَحْشِيًّا أَوْ مَا خَالَطَهُ وَحْشِيٌّ أَوْ كَسَرَ بَيْضَ وَحْشِيٍّ أَوْ مَا خَالَطَهُ وَحْشِيٌّ‏.‏

مُخْتَصَرُ الْحَجِّ الْمُتَوَسِّطِ

أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ‏:‏ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَنْ وَرَاءَ الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالْمَغْرِبِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَهْلِ تِهَامَةَ الْيَمَنُ يَلَمْلَمُ وَأَهْلِ نَجْدِ الْيَمَنِ وَكُلِّ نَجْدٍ قَرْنٌ وَأَهْلِ الْمَشْرِقِ، ذَاتُ عِرْقٍ، وَلَوْ أَهَلُّوا مِنْ الْعَقِيقِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَالْمَوَاقِيتُ لِأَهْلِهَا وَلِكُلِّ مَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِمَّنْ أَرَادَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَلَوْ مَرَّ مَشْرِقِيٌّ أَوْ مَغْرِبِيٌّ أَوْ شَامِيٌّ أَوْ مِصْرِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ كَانَتْ مِيقَاتَهُ وَهَكَذَا لَوْ مَرَّ مَدَنِيٌّ بِمِيقَاتٍ غَيْرِ مِيقَاتِهِ وَلَمْ يَأْتِ مِنْ بَلَدِهِ كَانَ مِيقَاتُهُ مِيقَاتَ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي مَرَّ بِهِ وَالْمَوَاقِيتُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْقِرَانِ سَوَاءٌ‏.‏

قال‏:‏ وَمَنْ سَلَكَ عَلَى غَيْرِ الْمَوَاقِيتِ بَرًّا أَوْ بَحْرًا أَهَلَّ إذَا حَاذَى الْمَوَاقِيتَ وَيَتَأَخَّرُ حَتَّى يُهِلَّ مِنْ جُدُرِ الْمَوَاقِيتِ أَوْ مِنْ وَرَائِهِ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُهِلَّ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْمَوَاقِيتِ إلَّا أَنَّهُ لاَ يَمُرُّ بِالْمِيقَاتِ إلَّا مُحْرِمًا فَإِنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ حَتَّى يُجَاوِزَ الْمِيقَاتَ رَجَعَ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ أَهْرَاقَ دَمًا‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا كَانَ الْمِيقَاتُ قَرْيَةً أَهَلَّ مِنْ أَقْصَاهَا مِمَّا يَلِي بَلَدَهُ وَهَكَذَا إذَا كَانَ الْمِيقَاتُ وَادِيًا أَوْ ظَهْرًا أَهَلَّ مِنْ أَقْصَاهُ مِمَّا يَلِي بَلَدَهُ مِنْ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مِنْ الْحَرَمِ وَأَقَلُّ مَا عَلَيْهِ فِيهِ أَنْ يُهِلَّ مِنْ الْقَرْيَةِ لاَ يَخْرُجُ مِنْ بُيُوتِهَا أَوْ مِنْ الْوَادِي أَوْ مِنْ الظَّهْرِ إلَّا مُحْرِمًا وَلَوْ أَنَّهُ أَتَى عَلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ لاَ يُرِيدُ حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً فَجَاوَزَهُ لَمْ يُحْرِمْ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُحْرِمَ أَحْرَمَ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَا لَهُ، وَذَلِكَ مِيقَاتُهُ وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ دُونَ الْمِيقَاتِ مِمَّا يَلِي الْحَرَمَ فَمِيقَاتُهُ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ مِنْ أَهْلِهِ لاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ ذَلِكَ إلَّا مُحْرِمًا فَإِنْ جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بَعْدَمَا جَاوَزَهُ رَجَعَ حَتَّى يُهِلَّ مِنْ أَهْلِهِ وَكَانَ حَرَامًا فِي رُجُوعِهِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ أَهْرَاقَ دَمًا‏.‏

الطَّهَارَةُ لِلْإِحْرَامِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَسْتَحِبُّ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الطَّاهِرِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ الْغُسْلَ لِلْإِحْرَامِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَأَهَلَّ رَجُلٌ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَوْ جُنُبًا فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلاَ كَفَّارَةَ‏.‏ وَمَا كَانَتْ الْحَائِضُ تَفْعَلُهُ كَانَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَفْعَلَهُ جُنُبًا وَغَيْرَ مُتَوَضِّئٍ‏.‏

اللُّبْسُ لِلْإِحْرَامِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يَجْتَمِعُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي اللَّبُوسِ فِي الْإِحْرَامِ فِي شَيْءٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي غَيْرِهِ فَأَمَّا مَا يَجْتَمِعَانِ فِيهِ فَلاَ يَلْبَسُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِطِيبٍ وَلاَ ثَوْبًا فِيهِ طِيبٌ، وَالطِّيبُ الزَّعْفَرَانُ وَالْوَرْسُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الطِّيبِ وَإِنْ أَصَابَ ثَوْبًا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَغُسِلَ حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ فَلاَ يُوجَدُ لَهُ رِيحٌ إذَا كَانَ الثَّوْبُ يَابِسًا أَوْ مَبْلُولاً فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَهُ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ لَوْنُهُ وَيَلْبَسَانِ الثِّيَابَ الْمُصْبَغَةَ كُلَّهَا بِغَيْرِ طِيبٍ مِثْلَ الصَّبْغِ بِالسَّدَرِ وَالْمَدْرِ وَالسَّوَادِ وَالْعُصْفُرِ وَإِنْ نَفَّضَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ يَلْبَسَ الْبَيَاضَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَكُونَ ثِيَابُهُمَا جُدُدًا أَوْ مَغْسُولَةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جُدُدًا وَلاَ مَغْسُولَةً فَلاَ يَضُرُّهُمَا وَيَغْسِلاَنِ ثِيَابَهُمَا وَيَلْبَسَانِ مِنْ الثِّيَابِ مَا لَمْ يُحْرِمَا فِيهِ، ثُمَّ لاَ يَلْبَسُ الرَّجُلُ عِمَامَةً وَلاَ سَرَاوِيلَ وَلاَ خُفَّيْنِ وَلاَ قَمِيصًا وَلاَ ثَوْبًا مَخِيطًا مِمَّا يَلْبَسُ بِالْخِيَاطَةِ مِثْلَ الْقَبَاءِ وَالدُّرَّاعَةِ وَمَا أَشْبَهَهُ وَلاَ يَلْبَسُ مِنْ هَذَا شَيْئًا مِنْ حَاجَةٍ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ وَلَمْ يَقْطَعْهُ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ وَقَطَعَهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْت عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ سَمِعْت أَبَا الشَّعْثَاءِ يَقُولُ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ «إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُحْرِمُ نَعْلَيْنِ لَبِسَ خُفَّيْنِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ إزَارًا لَبِسَ سَرَاوِيلَ»‏.‏

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «مَنْ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ يَلْبَسُ خُفَّيْنِ وَيَقْطَعُهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا اُضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إلَى لُبْسِ شَيْءٍ غَيْرِ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ لَبِسَهُ وَافْتَدَى، وَالْفِدْيَةُ صِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَوْ نَسْكُ شَاةٍ أَوْ صَدَقَةٌ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلْبَسُ الْمَرْأَةُ الْخِمَارَ وَالْخُفَّيْنِ وَلاَ تَقْطَعُهُمَا وَالسَّرَاوِيلَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالدِّرْعَ وَالْقَمِيصَ وَالْقَبَاءَ وَحَرَمَهَا مِنْ لُبْسِهَا فِي وَجْهِهَا فَلاَ تُخَمِّرُ وَجْهَهَا وَتُخَمِّرُ رَأْسَهَا‏.‏ فَإِنْ خَمَّرَتْ وَجْهَهَا عَامِدَةً افْتَدَتْ وَإِنْ خَمَّرَ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ عَامِدًا افْتَدَى وَلَهُ أَنْ يُخَمِّرَ وَجْهَهُ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُجَافِيَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهَا تَسْتَتِرُ بِهِ وَتُجَافِيَ الْخِمَارَ ثُمَّ تَسْدُلَهُ عَلَى وَجْهِهَا لاَ يَمَسُّ وَجْهَهَا وَيَلْبَسُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ الْمِنْطَقَةَ لِلدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَوْقَ الثِّيَابِ وَتَحْتَهَا‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ لَبِسَتْ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ مَا لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَلْبَسَاهُ نَاسِيَيْنِ أَوْ تَطَيَّبَا نَاسِيَيْنِ لِإِحْرَامِهِمَا أَوْ جَاهِلَيْنِ لِمَا عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ غَسَلاَ الطِّيبَ وَنَزَعَا الثِّيَابَ وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْطَعَةً وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ‏:‏ أَحْرَمْت بِعُمْرَةٍ وَعَلَيَّ مَا تَرَى‏.‏ فَقَالَ النَّبِيُّ‏:‏ «مَا كُنْت فَاعِلاً فِي حَجِّك‏؟‏» قَالَ‏:‏ أَنْزِعُ الْمِنْطَقَةَ وَأغْسِلُ هَذِهِ الصُّفْرَةَ‏؟‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «فَافْعَلْ فِي عُمْرَتِك مَا تَفْعَلُ فِي حَجِّك»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّارَةٍ وَلاَ بَأْسَ أَنْ تَلْبَسَ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ الْقُفَّازَيْنِ كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ يَأْمُرُ بَنَاتِهِ أَنْ يَلْبَسْنَ الْقُفَّازَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَلاَ تَتَبَرْقَعُ الْمُحْرِمَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ لَمْ يَقْرَبْ طِيبًا وَغَسَلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَلَمْ يَلْبَسْ قَمِيصًا وَخَمَّرَ وَجْهَهُ وَلَمْ يُخَمِّرْ رَأْسَهُ يُفْعَلُ بِهِ فِي الْمَوْتِ كَمَا يَفْعَلُ هُوَ بِنَفْسِهِ فِي الْحَيَاةِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَّ رَجُلٌ مُحْرِمٌ عَنْ بَعِيرِهِ فَوَقَصَ فَمَاتَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ‏:‏ «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُهَلِّلاً أَوْ مُلَبِّيًا»‏.‏ قَالَ سُفْيَانُ وَأَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي جُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَزَادَ فِيهِ‏:‏ «وَلاَ تُقَرِّبُوهُ طِيبًا»‏.‏

أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَلَ بِابْنٍ لَهُ مَاتَ مُحْرِمًا شَبِيهًا بِهَذَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَسْتَظِلُّ الْمُحْرِمُ عَلَى الْمَحْمَلِ وَالرَّاحِلَةِ وَالْأَرْضِ بِمَا شَاءَ مَا لَمْ يَمَسَّ رَأْسَهُ‏.‏

الطِّيبُ لِلْإِحْرَامِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَوْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ‏:‏ طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ، وَزَادَ عُثْمَانُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قُلْت‏:‏ بِأَيِّ شَيْءٍ‏؟‏ قَالَتْ بِأَطْيَبِ الطِّيبِ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّهَا طَيَّبَتْ أَبَاهَا لِلْإِحْرَامِ بِالسُّكِّ وَالذَّرِيرَةِ‏.‏

أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ حَسَنِ بْنِ زَيْدٍ وَلاَ أَعْلَمُ إلَّا وَقَدْ سَمِعْته مِنْ الْحَسَنِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْت ابْنَ عَبَّاسٍ مُحْرِمًا وَفِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِثْلُ الرُّبِّ مِنْ الْغَالِيَةِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَيَّبَ الْمُحْرِمَانِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بِأَقْصَى غَايَةِ الطِّيبِ الَّذِي يَبْقَى مِنْ غَالِيَةٍ وَنَضُوحٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الطِّيبَ كَانَ فِي الْإِحْلاَلِ وَإِنْ بَقِيَ فِي الْإِحْرَامِ شَيْءٌ فَالْإِحْرَامُ شَيْءٌ أُحْدِثَ بَعْدَهُ‏.‏ وَإِذَا أَحْرَمَا فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَطَيَّبَا وَلاَ أَنْ يَمَسَّا طِيبًا فَإِنْ مَسَّاهُ بِأَيْدِيهِمَا عَامِدَيْنِ وَكَانَ يَبْقَى أَثَرُهُ وَرِيحُهُ فَعَلَيْهِمَا الْفِدْيَةُ‏.‏ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ ذَلِكَ وَكَثِيرُهُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا وَكَانَ لاَ يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ فَإِنْ بَقِيَ لَهُ رِيحٌ فَلاَ فِدْيَةَ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَجْلِسَا عِنْدَ الْعَطَّارِ وَيَدْخُلاَ بَيْتَهُ وَيَشْتَرِيَا الطِّيبَ مَا لَمْ يَمَسَّاهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْسَادِهِمَا، وَأَنْ يَجْلِسَا عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَهِيَ تُجَمَّرُ وَأَنْ يَمَسَّاهَا مَا لَمْ تَكُنْ رَطْبَةً فَإِنْ مَسَّاهَا وَهُمَا لاَ يَعْلَمَانِ أَنَّهَا رَطْبَةٌ فَعَلِقَتْ بِأَيْدِيهِمَا غَسَلاَ ذَلِكَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ عَمَدَا أَنْ يَمَسَّاهَا رَطْبَةً فَعَلِقَتْ بِأَيْدِيهِمَا افْتَدَيَا وَلاَ يَدْهُنَانِ وَلاَ يَمَسَّانِ شَيْئًا مِنْ الدُّهْنِ الَّذِي يَكُونُ طَيِّبًا وَذَلِكَ مِثْلُ الْبَانِ الْمَنْشُوشِ وَالزَّنْبَقِ وَالْخَيْرِيِّ وَالْأَدْهَانِ الَّتِي فِيهَا الْأَبْقَالُ وَإِنْ مَسَّا شَيْئًا مِنْ هَذَا عَامِدَيْنِ افْتَدَيَا وَإِنْ شَمَّا الرَّيْحَانَ افْتَدَيَا وَإِنْ شَمَّا مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ مَا يَكُونُ طِيبًا مِمَّا لاَ يَتَّخِذُهُ النَّاسُ طِيبًا فَلاَ فِدْيَةَ وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلاَ التُّفَّاحَ أَوْ شَمَّاهُ أَوْ الْأُتْرُجَّ أَوْ السَّفَرْجَلَ أَوْ مَا كَانَ طَعَامًا فَلاَ فِدْيَةَ فِيهِ وَإِنْ أَدْخَلاَ الزَّعْفَرَانَ أَوْ الطِّيبَ فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ فَكَانَ يُوجَدُ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ يَصْبُغُ اللِّسَانَ فَأَكَلاَهُ افْتَدَيَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ رِيحُهُ وَلاَ طَعْمُهُ وَلاَ يَصْبُغُ اللِّسَانَ فَلاَ فِدْيَةَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُسْتَهْلَكًا فِي الطَّعَامِ وَسَوَاءٌ كَانَ نِيئًا أَوْ نَضِيجًا لاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَيُدْهِنَانِ جَمِيعَ أَجْسَادِهِمَا بِكُلِّ مَا أَكَلاَ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ مِنْ زَيْتٍ وَشَيْرَقٍ وَسَمْنٍ وَزُبْدٍ وَسَقْسَقٍ وَيَسْتَطِيعَانِ ذَلِكَ إذَا اجْتَنَبَا أَنْ يَدْهُنَا الرَّأْسَ أَوْ يَدْهُنَ الرَّجُلُ اللِّحْيَةَ فَإِنَّ هَذَيْنِ مَوْضِعُ الدَّهْنِ فَإِنْ دَهَنَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ الرَّأْسَ أَوْ الرَّجُلُ اللِّحْيَةَ بِأَيِّ هَذَا كَانَ افْتَدَى وَإِنْ احْتَاجَا إلَى أَنْ يَتَدَاوَيَا بِشَيْءٍ مِنْ الطِّيبِ تَدَاوَيَا بِهِ وَافْتَدَيَا‏.‏

قال‏:‏ وَكُلُّ مَا كَرِهْت لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَشُمَّهُ أَوْ يَلْبَسَهُ مِنْ طِيبٍ أَوْ شَيْءٍ فِيهِ طِيبٌ كَرِهْت لَهُ النَّوْمَ عَلَيْهِ وَإِنْ نَامَ عَلَيْهِ مُفْضِيًا إلَيْهِ بِجِلْدِهِ افْتَدَى، وَإِنْ نَامَ وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ‏.‏

التَّلْبِيَةُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُحْرِمَ كَانَ مِمَّنْ حَجَّ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَوَاسِعٌ لَهُ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ وَوَاسِعٌ لَهُ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَوَاسِعٌ لَهُ أَنْ يُفْرِدَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُفْرِدَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ عِنْدَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَتَكْفِيهِ النِّيَّةُ فِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ أَنْ يُسَمِّيَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً فَإِنْ سَمَّى قَبْلَ الْإِحْرَامِ أَوْ مَعَهُ فَلاَ بَأْسَ‏.‏

قال‏:‏ وَإِنْ لَبَّى بِحَجٍّ وَهُوَ يُرِيدُ عُمْرَةً فَهُوَ عُمْرَةٌ وَإِنْ لَبَّى بِعُمْرَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا فَهُوَ حَجٌّ، وَإِنْ لَبَّى لاَ يُرِيدُ حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً فَلَيْسَ بِحَجٍّ وَلاَ عُمْرَةٍ وَإِنْ لَبَّى يَنْوِي الْإِحْرَامَ وَلاَ يَنْوِي حَجًّا وَلاَ عُمْرَةً فَلَهُ الْخِيَارُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَإِنْ لَبَّى وَقَدْ نَوَى أَحَدَهُمَا فَنَسِيَ فَهُوَ قَارِنٌ لاَ يَجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَقَدْ جَاءَ بِالْعُمْرَةِ وَزَادَ حَجًّا، وَإِنْ كَانَ حَاجًّا فَقَدْ جَاءَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَإِنْ كَانَ قَارِنًا فَقَدْ جَاءَ بِالْقِرَانِ وَإِذَا لَبَّى قَالَ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَك وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى هَذَا فِي التَّلْبِيَةِ حَرْفًا إلَّا أَنْ يَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُ لاَ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ زَادَ فِي التَّلْبِيَةِ حَرْفًا غَيْرَ هَذَا عِنْدَ شَيْءٍ رَآهُ فَأَعْجَبَهُ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ التَّلْبِيَةِ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ وَاسْتَعَاذَهُ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ فَإِنَّهُ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قال‏:‏ وَيُلَبِّي قَائِمًا وَقَاعِدًا وَرَاكِبًا وَنَازِلاً وَجُنُبًا وَمُتَطَهِّرًا وَعَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ وَغَيْرِهَا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ لِتُسْمِعَ نَفْسَهَا وَكَانَ السَّلَفُ يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ اضْطِمَامِ الرِّفَاقِ وَعِنْدَ الْإِشْرَافِ، وَالْهُبُوطِ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَفِي الْأَسْحَارِ وَفِي اسْتِقْبَالِ اللَّيْلِ وَنَحْنُ نُبِيحُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ‏.‏

الصَّلاَةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْإِحْرَامَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً ثُمَّ يَرْكَبَ رَاحِلَتَهُ فَإِذَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَائِمَةً وَتَوَجَّهَتْ لِلْقِبْلَةِ سَائِرَةً أَحْرَمَ وَإِنْ كَانَ مَاشِيًا فَإِذَا تَوَجَّهَ مَاشِيًا أَحْرَمَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ‏:‏ «فَإِذَا رُحْتُمْ مُتَوَجِّهِينَ إلَى مِنًى فَأَهِلُّوا»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَإِنَّ أَهَلَّ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ أَهَلَّ فِي إثْرِ مَكْتُوبَةٍ إذَا صَلَّى أَوْ فِي غَيْرِ إثْرِ صَلاَةٍ فَلاَ بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُلَبِّي الْحَاجُّ وَالْقَارِنُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي كُلِّ حَالٍ وَإِذَا كَانَ إمَامًا فَعَلَى الْمِنْبَرِ بِمَكَّةَ وَعَرَفَةَ وَيُلَبِّي فِي الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ وَبَعْدَمَا يَدْفَعُ وَبِالْمُزْدَلِفَةِ وَفِي مَوْقِفِ مُزْدَلِفَةَ وَحِينَ يَدْفَعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ بِأَوَّلِ حَصَاةٍ ثُمَّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَهُ مِنْ جَمْعٍ إلَى مِنًى فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَةَ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَرَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَلَبَّى عُمَرُ حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ وَمَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ‏.‏

قال‏:‏ وَيُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَلِمٍ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ وَسَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ مُسْتَلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْتَلِمٍ‏.‏

قال‏:‏ وَسَوَاءٌ فِي التَّلْبِيَةِ مَنْ أَحْرَمَ مِنْ وَرَاءِ الْمِيقَاتِ أَوْ الْمِيقَاتِ أَوْ دُونَهُ أَوْ الْمَكِّيُّ أَوْ غَيْرُهُ‏.‏

الْغُسْلُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ الْمُحْرِمُ مُتَبَرِّدًا أَوْ غَيْرَ مُتَبَرِّدٍ يُفْرِغُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَإِذَا مَسَّ شَعْرَهُ رَفَقَ بِهِ لِئَلَّا يَنْتِفَهُ وَكَذَلِكَ لاَ بَأْسَ أَنْ يَسْتَنْقِعَ فِي الْمَاءِ وَيَغْمِسَ رَأْسَهُ اغْتَسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمًا، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رُبَّمَا قَالَ لِي عُمَرُ تَعَالَ أُمَاقِلُكَ فِي الْمَاءِ أَيُّنَا أَطْوَلُ نَفَسًا‏؟‏ وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَنَّ ابْنًا لِعُمَرَ وَابْنَ أَخِيهِ تَمَاقَلاَ فِي الْمَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَلَمْ يَنْهَهُمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ الْمُحْرِمُ الْحَمَّامَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ إمَّا سُفْيَانُ وَإِمَّا غَيْرُهُ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَمَرَ بِوَسَخٍ فِي ظَهْرِهِ فَحُكَّ وَهُوَ مُحْرِمٌ‏.‏

غَسْلُ الْمُحْرِمِ جَسَدَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُدَلِّكَ الْمُحْرِمُ جَسَدَهُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ وَيَحُكَّهُ حَتَّى يُدْمِيَهُ إنْ شَاءَ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحُكَّ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَأُحِبُّ إذَا حَكَّهُمَا أَنْ يَحُكَّهُمَا بِبُطُونِ أَنَامِلِهِ لِئَلَّا يَقْطَعَ الشَّعْرَ وَإِنْ حَكَّهُمَا أَوْ مَسَّهُمَا فَخَرَجَ فِي يَدَيْهِ مِنْ شَعْرِهِمَا أَوْ شَعْرِ أَحَدِهِمَا شَيْءٌ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ احْتِيَاطًا وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مِنْ فِعْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الشَّعْرُ سَاقِطًا فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَإِذَا مَسَّهُ تَبِعَهُ، وَالْفِدْيَةُ فِي الشَّعْرَةِ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حِنْطَةٍ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَفِي الِاثْنَتَيْنِ مُدَّانِ عَلَى مِسْكِينَيْنِ وَفِي الثَّلاَثِ فَصَاعِدًا دَمٌ وَلاَ يُجَاوِزُ بِشَيْءٍ مِنْ الشَّعْرِ وَإِنْ كَثُرَ دَمٌ‏.‏

مَا لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحْتَجِمَ الْمُحْرِمُ مِنْ ضَرُورَةٍ أَوْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلاَ يَحْلِقُ الشَّعْرَ وَكَذَلِكَ يَفْتَحُ الْعِرْقَ وَيَبُطُّ الْجُرْحَ وَيَقْطَعُ الْعُضْوَ لِلدَّوَاءِ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ احْتَاطَ إذَا قَطَعَ عُضْوًا فِيهِ شَعْرٌ افْتَدَى كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِوَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ الشَّعْرَ إنَّمَا قَطَعَ الْعُضْوَ الَّذِي لَهُ أَنْ يَقْطَعَهُ وَيَخْتَتِنُ الْمُحْرِمُ وَيُلْصِقُ عَلَيْهِ الدَّوَاءَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ حَجَّ أَغْلَفُ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ دَاوَى شَيْئًا مِنْ قُرْحِهِ وَأَلْصَقَ عَلَيْهِ خِرْقَةً أَوْ دَوَاءً فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْجَسَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الرَّأْسِ فَتَكُونَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ‏.‏

مَا لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَلَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْطَعَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ وَلاَ شَيْئًا مِنْ أَظْفَارِهِ وَإِنْ انْكَسَرَ ظُفُرٌ مِنْ أَظْفَارِهِ فَبَقِيَ مُتَعَلِّقًا فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ مَا انْكَسَرَ مِنْ الظُّفُرِ وَكَانَ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِبَقِيَّةِ الظُّفُرِ وَلاَ خَيْرَ فِي أَنْ يُقْطَعَ مِنْهُ شَيْءٌ مُتَّصِلٌ بِالْبَقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِثَابِتٍ فِيهِ وَإِذَا أَخَذَ ظُفُرًا مِنْ أَظْفَارِهِ أَوْ بَعْضَ ظُفُرٍ أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَإِنْ أَخَذَ ظُفُرًا ثَانِيًا أَطْعَمَ مِسْكِينَيْنِ فَإِنْ أَخَذَ ثَلاَثَةً فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ أَهْرَاقَ دَمًا وَإِنْ أَخَذَهَا مُتَفَرِّقَةً أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ ظُفُرٍ مُدًّا وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ وَسَوَاءٌ النِّسْيَانُ وَالْعَمْدُ فِي الْأَظْفَارِ وَالشَّعْرِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَذْهَبُ فَلاَ يَعُودُ وَلاَ بَأْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ أَنْ يَقْطَعَ أَظْفَارَ الْمَحِلِّ وَأَنْ يَحْلِقَ شَعْرَهُ وَلَيْسَ لَلْمَحِلِّ أَنْ يَقْطَعَ أَظْفَارَ الْمُحْرِمِ وَلاَ يَحْلِقَ شَعْرَهُ فَإِنْ فَعَلَ بِأَمْرِ الْمُحْرِمِ فَالْفِدْيَةُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُحْرِمِ رَاقِدٌ أَوْ مُكْرَهٌ افْتَدَى الْمُحْرِمُ وَرَجَعَ بِالْفِدْيَةِ عَلَى الْمَحِلِّ‏.‏

باب الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَصَيْدُ الْبَرِّ ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ يُؤْكَلُ وَكُلُّ مَا أُكِلَ مِنْهُ فَهُوَ صِنْفَانِ طَائِرٌ وَدَوَابُّ فَمَا أَصَابَ مِنْ الدَّوَابِّ نَظَرَ إلَى أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ مِنْ الْمَقْتُولِ مِنْ الصَّيْدِ شَبَهًا مِنْ النَّعَمِ، وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ فَيُجْزَى بِهِ فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَفِي بَقَرَةِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَفِي الثَّيْتَلِ بَقَرَةٌ وَفِي الْغَزَالِ عَنْزٌ وَفِي الضَّبُعِ كَبْشٌ، وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ وَفِي صِغَارِ أَوْلاَدِهَا صِغَارُ أَوْلاَدِ هَذِهِ فَإِذَا أُصِيبَ مِنْ هَذَا عَوَرٌ أَوْ مَكْسُورٌ فَدَى مِثْلَهُ أَعْوَرَ أَوْ مَكْسُورًا وَأَنْ يَفْدِيَهُ بِصَحِيحٍ أَحَبُّ إلَيَّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَضَى فِي الضَّبُعِ بِكَبْشٍ وَفِي الْغَزَالِ بِعَنْزٍ وَفِي الْأَرْنَبِ بِعَنَاقٍ وَفِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرَةٍ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَضَى فِي الْيَرْبُوعِ بِجَفْرٍ أَوْ جَفْرَةٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقٍ أَنَّ أَرْبَدَ أَوْطَأَ ضَبًّا فَفَزَرَ ظَهْرَهُ فَأَتَى عُمَرَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَرُ مَا تَرَى‏؟‏ فَقَالَ جَدْيٌ قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ فَقَالَ‏:‏ عُمَرُ فَذَاكَ فِيهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي السَّفَرِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه قَضَى فِي أُمِّ حُبَيْنٍ بِحَمَلاَنٍ مِنْ الْغَنَمِ وَالْحَمْلاَنُ الْحَمَلُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَوْ كَانَ مَعِي حُكْمٌ لَحَكَمْت فِي الثَّعْلَبِ بِجَدْيٍ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ فِي صِغَارِ الصَّيْدِ صِغَارُ الْغَنَمِ وَفِي الْمَعِيبِ مِنْهَا الْمَعِيبُ مِنْ الْغَنَمِ وَلَوْ فَدَاهَا بِكِبَارٍ صِحَاحٍ مِنْ الْغَنَمِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ صَيْدًا فَجَرَحَهُ فَلَمْ يَدْرِ أَمَاتَ أَمْ عَاشَ‏؟‏ فَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ عِنْدِي فِيهِ قِيمَةُ مَا نَقَصَهُ الْجُرْحُ فَإِنْ كَانَ ظَبْيًا قُوِّمَ صَحِيحًا وَنَاقِصًا فَإِنْ نَقَصَهُ الْعُشْرَ فَعَلَيْهِ الْعُشْرُ مِنْ ثَمَنِ شَاةٍ، وَهَكَذَا إنْ كَانَ بَقَرَةً أَوْ نَعَامَةً، وَإِنْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ بَعْدُ فَعَلَيْهِ شَاةٌ مَجْرُوحَةٌ، وَإِنْ فَدَاهُ بِصَحِيحَةٍ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا جَرَحَهُ فَغَابَ عَنْهُ أَنْ يَفْدِيَهُ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَسَرَهُ كَانَ هَكَذَا عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهُ حَتَّى يَبْرَأَ وَيَمْتَنِعَ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ تَامَّةٌ وَلَوْ أَنَّهُ ضَرَبَ ظَبْيًا مَاخِضًا فَمَاتَ كَانَ عَلَيْهِ قِيمَةُ شَاةٍ مَاخِضٍ يَتَصَدَّقُ بِهَا مِنْ قِبَلِ أَنِّي لَوْ قُلْت‏:‏ لَهُ أَذْبَحُ شَاةً مَاخِضًا كَانَتْ شَرًّا مِنْ شَاةٍ غَيْرِ مَاخِضٍ لِلْمَسَاكِينِ فَإِذَا أَرَدْت الزِّيَادَةَ لَهُمْ لَمْ أَزْدَدْ لَهُمْ مَا أُدْخِلَ بِهِ النَّقْصُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنِّي أَزْدَادُ لَهُمْ فِي الثَّمَنِ وَأُعْطِيهِمُوهُ طَعَامًا‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ الَّذِي عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ جَزَاهُ إنْ شَاءَ بِمِثْلِهِ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَجْزِيهِ بِمِثْلِهِ قُوِّمَ الْمِثْلُ دَرَاهِمَ ثُمَّ الدَّرَاهِمُ طَعَامًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ وَإِذَا أَرَادَ الصِّيَامَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَلاَ يَجْزِيهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالطَّعَامِ وَلاَ بِاللَّحْمِ إلَّا بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى فَإِنْ تَصَدَّقَ بِهِ بِغَيْرِ مَكَّةَ أَوْ مِنًى أَعَادَ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى وَيَجْزِيهِ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ وَبَعْدَمَا يَحِلَّ فَإِنْ صَدَرَ وَلَمْ يَجْزِهِ بَعَثَ بِجَزَائِهِ حَتَّى يَجْزِيَ عَنْهُ فَإِنْ جَزَاهُ بِالصَّوْمِ صَامَ حَيْثُ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ فِي صِيَامِهِ، وَإِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا جَزَاهُ وَإِذَا أَصَابَ صَيْدًا جَزَاهُ ثُمَّ كُلَّمَا عَادَ جَزَى مَا أَصَابَ فَإِنْ أَصَابَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ فَلاَ زِيَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْأَكْلِ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ وَإِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمَانِ أَوْ الْجَمَاعَةُ صَيْدًا فَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَرِيبٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ قَضَى هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَالِكٌ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْطَآ ظَبْيًا فَفَتَلاَهُ بِشَاةٍ وَأَخْبَرَنِي الثِّقَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ وَكَانَ ثِقَةً أَنَّ قَوْمًا حُرُمًا أَصَابُوا صَيْدًا فَقَالَ لَهُمْ ابْنُ عُمَرَ عَلَيْكُمْ جَزَاءٌ، فَقَالُوا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا جَزَاءٌ أَمْ عَلَيْنَا كُلِّنَا جَزَاءٌ وَاحِدٌ‏؟‏ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ إنَّهُ لَمُغَرَّرٌ بِكُمْ بَلْ عَلَيْكُمْ كُلِّكُمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي النَّفَرِ يَشْتَرِكُونَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ قَالَ‏:‏ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ‏.‏

قال‏:‏ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ‏}‏ وَهَذَا مِثْلٌ وَمَنْ قَالَ عَلَيْهِ مِثْلاَنِ فَقَدْ خَالَفَ مَعْنَى الْقُرْآنِ‏.‏

طَائِرُ الصَّيْدِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الطَّائِرُ صِنْفَانِ حَمَامٌ وَغَيْرُ حَمَامٍ، فَمَا كَانَ مِنْهُ حَمَامًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى فَفِدْيَةُ الْحَمَامَةِ مِنْهُ شَاةٌ اتِّبَاعًا وَأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَزَلْ بَيْنَ الْحَمَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّائِرِ وَتَقُولُ الْحَمَامُ سَيِّدُ الطَّائِرِ، وَالْحَمَامُ كُلُّ مَا هَدَرَ وَعَبَّ فِي الْمَاءِ وَهِيَ تُسَمِّيهِ أَسْمَاءَ جَمَاعَةِ الْحَمَامِ، وَتَفَرَّقَ بِهِ بَعْدُ أَسْمَاءٌ وَهِيَ الْحَمَامُ وَالْيَمَامُ وَالدَّبَّاسِيُّ وَالْقَمَارِيُّ وَالْفَوَاخِتُ وَغَيْرُهُ مِمَّا هَدَرَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَضَى فِي حَمَامَةٍ مِنْ حَمَامِ مَكَّةَ بِشَاةٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَالَ ذَلِكَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ‏.‏

قال‏:‏ وَهَذَا إذَا أُصِيبَتْ بِمَكَّةَ أَوْ أَصَابَهَا الْمُحْرِمُ‏.‏

قال‏:‏ وَمَا كَانَ مِنْ الطَّائِرِ لَيْسَ بِحَمَامٍ فَفِيهِ قِيمَتُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَابُ فِيهِ قُلْت‏:‏ أَوْ كُسِرَتْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ عَنْ مُحْرِمٍ أَصَابَ جَرَادَةً فَقَالَ‏:‏ يَتَصَدَّقُ بِقَبْضَةٍ مِنْ طَعَامٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ وَلْيَأْخُذَنَّ بِقَبْضَةٍ جَرَادَاتٍ وَلَكِنْ عَلَى ذَلِكَ رَأْيٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَقَالَ عُمَرُ فِي الْجَرَادَةِ تَمْرَةٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَكُلُّ مَا فَدَى مِنْ الصَّيْدِ فَبَاضَ مِثْلُ النَّعَامَةِ وَالْحَمَامَةِ وَغَيْرِهَا فَأُصِيبَ بَيْضُهُ فَفِيهِ قِيمَتُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَابُ فِيهِ كَقِيمَتِهِ لَوْ أُصِيبَ لِإِنْسَانٍ وَمَا أُصِيبَ مِنْ الصَّيْدِ لِإِنْسَانٍ فَعَلَى الْمُحْرِمِ قِيمَتُهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ لِصَاحِبِهِ وَجَزَاؤُهُ لِلْمَسَاكِينِ وَمَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ قَارِنًا كَانَ أَوْ مُفْرِدًا أَوْ مُعْتَمِرًا فَجَزَاؤُهُ وَاحِدٌ لاَ يُزَادُ عَلَيْهِ فِي تَبَاعُدِ الْحَرَمِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الْحَرَمِ وَكَثِيرَهُ سَوَاءٌ إذْ مُنِعَ بِهَا الصَّيْدُ، وَكُلُّ مَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ إحْرَامِهِ مِمَّا عَلَيْهِ فِيهِ الْفِدْيَةُ فَدَاهُ وَخُرُوجُهُ مِنْ الْعُمْرَةِ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ، وَخُرُوجُهُ مِنْ الْحَجِّ خُرُوجَانِ‏:‏ فَالْأَوَّلُ الرَّمْيُ وَالْحِلاَقُ فَلَوْ أَصَابَ صَيْدًا خَارِجًا مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ جَمِيعِ إحْرَامِهِ إلَّا النِّسَاءَ وَهَكَذَا لَوْ طَافَ بِالْبَيْتِ أَوْ حَلَقَ بَعْدَ عَرَفَةَ وَإِنْ لَمْ يَرْمِ، وَيَأْكُلُ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ مَا لَمْ يَصِدْهُ أَوْ يُصَدْ لَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لَحْمُ الصَّيْدِ حَلاَلٌ لَكُمْ فِي الْإِحْرَامِ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَكَذَا رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لَحْمُ الصَّيْدِ حَلاَلٌ لَكُمْ فِي الْإِحْرَامِ مَا لَمْ تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُمْ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ ابْنُ أَبِي يَحْيَى أَحْفَظُ مِنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ مُحْرِمًا صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ صَيْدٌ فَذَبَحَهُ غَيْرُهُ فَأَكَلَهُ هُوَ أَكَلَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ جَزَاءَهُ بِقَتْلِهِ وَهُوَ لَمْ يَقْتُلْهُ وَقَدْ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَلَوْ دَلَّ مُحْرِمٌ حَلاَلاً عَلَى صَيْدٍ أَوْ أَعْطَاهُ سِلاَحًا أَوْ حَمَلَهُ عَلَى دَابَّةٍ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ وَكَانَ مُسِيئًا كَمَا أَنَّهُ لَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ كَانَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ لاَ عَلَى الْآمِرِ، وَكَانَ الْآمِرُ آثِمًا‏.‏

قال‏:‏ وَلَوْ صَادَ حَلاَلٌ صَيْدًا فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ مُحْرِمٌ أَوْ اتَّهَبَهُ فَذَبَحَهُ كَانَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ قَاتِلٌ لَهُ، وَالْحَلاَلُ يَقْتُلُ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ مِثْلُ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُهُ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ وَيَجْزِيهِ إذَا قَتَلَهُ‏.‏

قَطْعُ شَجَرِ الْحَرَمِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ قَطَعَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ جَزَاهُ، حَلاَلاً كَانَ أَوْ حَرَامًا، وَفِي الشَّجَرَةِ الصَّغِيرَةِ شَاةٌ، وَفِي الْكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ وَيُرْوَى هَذَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلِلْمُحْرِمِ أَنْ يَقْطَعَ الشَّجَرَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ لَيْسَ بِصَيْدٍ‏.‏

مَا لاَ يُؤْكَلُ مِنْ الصَّيْدِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الصَّيْدِ صِنْفَانِ صِنْفٌ عَدُوٌّ عَادٍ، فَفِيهِ ضَرَرٌ، وَفِيهِ أَنَّهُ لاَ يُؤْكَلُ فَيَقْتُلُهُ الْمُحْرِمُ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْفَأْرَةِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَيَبْدَأُ هَذَا الْمُحْرِمُ وَيَقْتُلُ صِغَارَهُ وَكِبَارَهُ؛ لِأَنَّهُ صِنْفٌ مُبَاحٌ وَيَبْتَدِئُهُ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَصِنْفٌ لاَ يُؤْكَلُ وَلاَ ضَرَرَ لَهُ مِثْلُ الْبُغَاثَةَ وَالرَّخَمَةِ وَالْحَكَّاءِ وَالْقَطَا وَالْخَنَافِسِ وَالْجِعْلاَنِ وَلاَ أَعْلَمُ فِي مِثْلِ هَذَا قَضَاءً فَآمُرُهُ بِابْتِدَائِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الصَّيْدِ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ لاَ يَفْدِي الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ إلَّا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ‏.‏

قال‏:‏ وَهَذَا مُوَافِقٌ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَيَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْقِرْدَانِ وَالْحَمْنَانِ وَالْحَلَمَ وَالْكَتَالَةَ وَالْبَرَاغِيثَ وَالْقُمَّلاَنِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْقُمَّلُ فِي رَأْسِهِ لَمْ أُحِبَّ أَنْ يُفَلَّى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إمَاطَةُ أَذَى وَأَكْرَهُ لَهُ قَتْلَهُ وَآمُرُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَكُلُّ شَيْءٍ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا وَإِذَا ظَهَرَ لَهُ عَلَى جِلْدِهِ طَرَحَهُ وَقَتَلَهُ‏.‏ وَقَتَلَهُ مِنْ الْحَلاَلِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ‏:‏ جَلَسْت إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَلَسَ إلَيْهِ رَجُلٌ لَمْ أَرَ رَجُلاً أَطْوَلَ شَعْرًا مِنْهُ فَقَالَ‏:‏ أَحْرَمْت وَعَلَيَّ هَذَا الشَّعْرُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ اشْتَمِلْ عَلَى مَا دُونَ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ قَالَ قَبَّلْت امْرَأَةً لَيْسَتْ بِامْرَأَتِي قَالَ زَنَا فُوكَ قَالَ رَأَيْت قَمْلَةً فَطَرَحْتهَا قَالَ تِلْكَ الضَّالَّةُ لاَ تُبْتَغَى أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْهُدَيْرِ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُودُ بَعِيرًا لَهُ فِي طِينٍ بِالسُّقْيَا وَهُوَ مُحْرِمٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَ الْمُحْرِمُ الْقُرَادَ وَالْحَلَمَةَ‏.‏

صَيْدُ الْبَحْرِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ‏}‏ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا‏}‏‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ فَكُلُّ مَا كَانَ فِيهِ صَيْدٌ، فِي بِئْرٍ كَانَ أَوْ مَاءٍ مُسْتَنْقَعٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ بَحْرٌ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ يُصَادُ وَيُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَمْ يُمْنَعْ بِحُرْمَةِ شَيْءٍ وَلَيْسَ صَيْدُهُ إلَّا مَا كَانَ يَعِيشُ فِي أَكْثَرِ عَيْشِهِ، فَأَمَّا طَائِرُهُ فَإِنَّمَا يَأْوِي إلَى أَرْضٍ فِيهِ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ إذَا أُصِيبَ جَزَى‏.‏

دُخُولُ مَكَّةَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ أُحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي طَرَفِهَا ثُمَّ يَمْضِيَ إلَى الْبَيْتِ وَلاَ يُعَرِّجَ فَيَبْدَأَ بِالطَّوَافِ، وَإِنْ تَرَكَ الْغُسْلَ أَوْ عَرَّجَ لِحَاجَةٍ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ وَإِذَا رَأَى الْبَيْتَ قَالَ اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَظَّمَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَبِرًّا اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْك السَّلاَمُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلاَمِ فَإِذَا انْتَهَى إلَى الطَّوَافِ اضْطَبَعَ فَأَدْخَلَ رِدَاءَهُ تَحْتَ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ وَرَدَّهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ حَتَّى يَكُونَ مَنْكِبُهُ الْأَيْمَنِ مَكْشُوفًا ثُمَّ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ إنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِلاَمِهِ وَقَالَ عِنْدَ اسْتِلاَمِهِ اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِك وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّك مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَمْضِي عَنْ يَمِينِهِ فَيَرْمُلُ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ الْحِجْرِ إلَى الْحِجْرِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَشْيٌ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً فَإِنْ كَانَ الزِّحَامُ شَيْئًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَرْمُلَ فَكَانَ إذَا وَقَفَ لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا وَقَفَ حَتَّى يَنْفَرِجَ لَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمُلَ‏.‏ وَإِنْ كَانَ يُؤْذِي أَحَدًا فِي الْوُقُوفِ مَشَى مَعَ النَّاسِ بِمَشْيِهِمْ وَكُلَّمَا انْفَرَجَتْ لَهُ فُرْجَةٌ رَمَلَ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَطَرَّفَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ النَّاسِ حَاشِيَةٌ ثُمَّ يَرْمُلُ فَإِنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي طَوَافٍ رَمَلَ فِي اثْنَيْنِ وَإِنْ تَرَكَهُ فِي اثْنَيْنِ رَمَلَ فِي وَاحِدٍ، وَإِنْ تَرَكَهُ فِي الثَّلاَثَةِ لَمْ يَقْضِ، إذَا ذَهَبَ مَوْضِعُهُ لَمْ يَقْضِهِ فِيمَا بَقِيَ وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَلاَ إعَادَةَ، وَسَوَاءٌ تَرَكَهُ نَاسِيًا أَوْ عَامِدًا إلَّا أَنَّهُ مُسِيءٌ فِي تَرْكِهِ عَامِدًا وَهَكَذَا الِاضْطِبَاعُ وَالِاسْتِلاَمُ إنْ تَرَكَهُ فَلاَ فِدْيَةَ وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ‏.‏

قال‏:‏ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَلِمَ فِيمَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَسْتَلِمَ مِنْ الْأَرْكَانِ إلَّا الْحِجْرَ، وَالْيَمَانِيُّ يَسْتَلِمُ الْيَمَانِيَّ بِيَدِهِ ثُمَّ يُقَبِّلُهَا وَلاَ يُقَبِّلُهُ وَيَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِيَدِهِ وَيُقَبِّلُهَا وَيُقَبِّلُهُ إنْ أَمْكَنَهُ التَّقْبِيلُ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى عَيْنَيْهِ وَلاَ وَجْهِهِ أَنْ يُجْرَحَ، وَأُحِبُّ كُلَّمَا حَاذَى بِهِ أَنْ يُكَبِّرَ وَأَنْ يَقُولَ فِي رَمَلِهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا وَسَعْيًا مَشْكُورًا وَيَقُولَ فِي الْأَطْوَافِ الْأَرْبَعَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ صَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ فَيَقْرَأُ فِي الْأُولَى بِـ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏ وَفِي الْأُخْرَى بِـ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الرُّكْنِ فَيَسْتَلِمُهُ وَحَيْثُمَا صَلَّى أَجْزَأَهُ وَمَا قَرَأَ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلاَ يَجْزِيهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَلاَ الصَّلاَةُ إلَّا طَاهِرًا وَلاَ يُجْزِئُهُ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ أَقَلُّ مِنْ سَبْعٍ تَامٍّ فَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ سَبْعٍ فَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أُلْغِيَ سَعْيُهُ حَتَّى يَكُونَ سَعْيُهُ بَعْدَ سَبْعٍ كَامِلٍ عَلَى طَهَارَةٍ وَإِنْ قُطِعَ عَلَيْهِ الطَّوَافُ لِلصَّلاَةِ بَنَى مِنْ حَيْثُ قُطِعَ عَلَيْهِ وَإِنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ أَوْ رَعَفَ خَرَجَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى مِنْ حَيْثُ قَطَعَ وَهَكَذَا إنْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الطَّوَافَ وَإِنْ شَكَّ فِي طَوَافِهِ فَلَمْ يَدْرِ خَمْسًا طَافَ أَوْ أَرْبَعًا‏؟‏ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَأَلْغَى الشَّكَّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ أَنْ قَدْ طَافَ سَبْعًا تَامًّا أَوْ أَكْثَرَ‏.‏

الْخُرُوجُ إلَى الصَّفَا

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِ الصَّفَا وَيَظْهَرَ فَوْقَهُ فِي مَوْضِعٍ يَرَى مِنْهُ الْبَيْتَ ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الْبَيْتَ فَيُكَبِّرَ وَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا وَأَوْلاَنَا وَلاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلاَ نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ثُمَّ يَدْعُو وَيُلَبِّي ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ حَتَّى يَقُولَهُ ثَلاَثًا، وَيَدْعُو فِيمَا بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِمَا بَدَا لَهُ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا ثُمَّ يَنْزِلُ يَمْشِي حَتَّى إذَا كَانَ دُونَ الْمَيْلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ فِي رُكْنِ الْمَسْجِدِ بِنَحْوٍ مِنْ سِتَّةِ أَذْرُعٍ سَعَى سَعْيًا شَدِيدًا حَتَّى يُحَاذِيَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى يَرْقَى عَلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ الْبَيْتُ إنْ بَدَا لَهُ، ثُمَّ يَصْنَعُ عَلَيْهَا مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى يُكْمِلَ سَبْعًا يَبْدَأُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ وَأَقَلُّ مَا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَا بَيْنَهُمَا مَشْيًا أَوْ سَعْيًا‏.‏ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِمَا وَلاَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَمْ يُكَبِّرْ وَلَمْ يَدْعُ وَلَمْ يَسْعَ فِي السَّعْيِ فَقَدْ تَرَكَ فَضْلاً وَلاَ إعَادَةَ وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا فِي السَّعْيِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ طَاهِرٍ جُنُبًا أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الْحَائِضَ تَفْعَلُهُ وَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ دَخَلَ فَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى مِنْ حَيْثُ قَطَعَ وَإِنْ رَعَفَ أَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَاجِبٌ لاَ يَجْزِي غَيْرُهُ وَلَوْ تَرَكَهُ رَجُلٌ حَتَّى جَاءَ بَلَدَهُ فَكَانَ مُعْتَمِرًا كَانَ حَرَامًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى يَرْجِعَ، وَإِنْ كَانَ حَاجًّا قَدْ رَمَى الْجَمْرَةَ وَحَلَقَ كَانَ حَرَامًا مِنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَرْجِعَ وَلاَ يَجْزِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلَّا سَبْعٌ كَامِلٌ فَلَوْ صَدَرَ وَلَمْ يُكْمِلْهُ سَبْعًا فَإِنْ كَانَ إنَّمَا تَرَكَ مِنْ السَّابِعِ ذِرَاعًا كَانَ كَهَيْئَتِهِ لَوْ لَمْ يَطُفْ وَرَجَعَ حَتَّى يَبْتَدِئَ طَوَافًا أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ الْعَابِدِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ محيصن عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ أَخْبَرَتْنِي بِنْتُ أَبِي تُجْزَأَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ قَالَتْ‏:‏ دَخَلْت مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دَارَ ابْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ نَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَرَأَيْته يَسْعَى وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ حَتَّى إنِّي لاََقُولُ إنِّي لاَ أَرَى رُكْبَتَيْهِ وَسَمِعْته يَقُولُ‏:‏ «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه يَقُومُ فِي حَوْضٍ فِي أَسْفَلِ الصَّفَا وَلاَ يَظْهَرُ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَمَلٌ بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَمْشِينَ عَلَى هَيِّنَتِهِنَّ وَأُحِبُّ لِلْمَشْهُورَةِ بِالْجَمَالِ أَنْ تَطُوفَ وَتَسْعَى لَيْلاً، وَإِنْ طَافَتْ بِالنَّهَارِ سَدَلَتْ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا أَوْ طَافَتْ فِي سِتْرٍ، وَيَطُوفُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مَاشِيَيْنِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَطُوفَا مَحْمُولَيْنِ مِنْ عِلَّةٍ وَإِنْ طَافَا مَحْمُولَيْنِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِمَا وَلاَ فِدْيَةَ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَهْجُرُوا بِالْإِفَاضَةِ وَأَفَاضَ فِي نِسَائِهِ لَيْلاً وَطَافَ بِالْبَيْتِ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِهِ أَظُنُّهُ قَالَ‏:‏ «وَيُقَبِّلُ طَرَفَ الْمِحْجَنِ»‏.‏

الرَّجُلُ يَطُوفُ بِالرَّجُلِ يَحْمِلُهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُحْرِمًا فَطَافَ بِمُحْرِمٍ صَبِيٍّ أَوْ كَبِيرٍ يَحْمِلُهُ يَنْوِي بِذَلِكَ أَنْ يَقْضِيَ عَنْ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ طَوَافَهُ وَعَنْ نَفْسِهِ فَالطَّوَافُ طَوَافُ الْمَحْمُولِ لاَ طَوَافُ الْحَامِلِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَطُوفَ؛ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَطُفْ‏.‏

مَا يَفْعَلُ الْمَرْءُ بَعْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُعْتَمِرًا فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَحْبَبْت لَهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَنْحَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ وَيَنْحَرَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَيْثُمَا نَحَرَهُ مِنْ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَهُ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَيَنْحَرُ الْهَدْيَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْهَدْيُ وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا وَإِنْ كَانَ قَارِنًا أَوْ حَاجًّا أَمْسَكَ عَنْ الْحَلْقِ فَلَمْ يَحْلِقْ حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ، وَالْحَلْقُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ أَصْلَعَ وَلاَ شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ مَحْلُوقًا أَمَّرَ الْمُوسَى عَلَى رَأْسِهِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبَيْهِ حَتَّى يَضَعَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا لِلَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّأْسِ لاَ فِي اللِّحْيَةِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقُ الشَّعْرِ وَيُؤْخَذُ مِنْ شُعُورِهِنَّ قَدْرُ أُنْمُلَةٍ وَيَعُمُّ بِالْأَخْذِ، وَإِنْ أَخَذَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الرَّأْسِ مَا كَانَ ثَلاَثَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا أَجْزَأَ عَنْهُنَّ وَعَنْ الرِّجَالِ وَكَيْفَمَا أَخَذُوا بِحَدِيدَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ نَتْفًا أَوْ قَرْضًا، أَجْزَأَ إذَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ أَخْذٍ، وَكَانَ شَيْءٌ مَوْضُوعًا مِنْهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ جِمَاعِ شَعْرٍ وَذَلِكَ ثَلاَثُ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا‏.‏

مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ وَالْقَارِنُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ لِلْحَاجِّ وَالْقَارِنِ أَنْ يُكْثِرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَإِذَا كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَحْبَبْت أَنْ يَخْرُجَا إلَى مِنًى ثُمَّ يُقِيمَا بِهَا حَتَّى يُصَلِّيَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ يَغْدُوَا إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرَ وَذَلِكَ أَوَّلُ بُزُوغِهَا ثُمَّ يَمْضِيَا حَتَّى يَأْتِيَا عَرَفَةَ فَيَشْهَدَا الصَّلاَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَجْمَعَا بِجَمْعِهِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ مِثْلَ مَا أَحْبَبْت لَهُمَا وَلاَ يَجْهَرُ يَوْمئِذٍ بِالْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجُمُعَةٍ وَيَأْتِي الْمَسْجِدَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَيَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَيَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى فَإِذَا جَلَسَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْآذَانِ وَأَخَذَ هُوَ فِي الْكَلاَمِ وَخَفَّفَ الْكَلاَمَ الْآخَرَ حَتَّى يَنْزِلَ بِقَدْرِ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْآذَانِ فَيُقِيمَ الْمُؤَذِّنُ فَيُصَلِّيَ الظُّهْرَ ثُمَّ يُقِيمَ الْمُؤَذِّنُ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنْ الظُّهْرِ فَيُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْكَبَ فَيَرُوحَ إلَى الْمَوْقِفِ عِنْدَ مَوْقِفِ الْإِمَامِ عِنْدُ الصَّخَرَاتِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَيَدْعُوَ حَتَّى اللَّيْلِ، وَيَصْنَعُ ذَلِكَ النَّاسُ وَحَيْثُمَا وَقَفَ النَّاسُ مِنْ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «هَذَا الْمَوْقِفُ وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ»‏.‏ وَيُلَبِّي فِي الْمَوْقِفِ وَيَقِفُ قَائِمًا وَرَاكِبًا وَلاَ فَضْلَ عِنْدِي لِلْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوبِ إنْ كَانَتْ مَعَهُ دَابَّةٌ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَقْوَى فَلاَ يَضْعُفُ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَنْزِلَ فَيَقُومَ وَلَوْ نَزَلَ فَجَلَسَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَحَيْثُمَا وَقَفَ مِنْ سَهْلٍ أَوْ جَبَلٍ فَسَوَاءٌ وَأَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ فِي عَرَفَةَ حَتَّى يَكُونَ بِهِ مُدْرِكًا لِلْحَجِّ أَنْ يَدْخُلَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقِفْ وَلَمْ يَدْعُ فِيمَا بَيْنَ الزَّوَالِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكَ هَذَا فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَفَرَّغَ يَوْمئِذٍ لِلدُّعَاءِ، وَلَوْ اتَّجَرَ أَوْ تَشَاغَلَ عَنْ الدُّعَاءِ لَمْ يَفْسُدْ عَلَيْهِ حَجُّهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ، وَلَوْ خَرَجَ مِنْ عَرَفَةَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَالْفِدْيَةُ أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا لَيْلاً بَعْدَمَا تَغِيبُ الشَّمْسُ، وَلَمْ يَكُنْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ نَهَارًا فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَعَرَفَةُ مَا جَاوَزَ وَادِيَ عُرَنَةَ الَّذِي فِيهِ الْمَسْجِدُ، وَلَيْسَ الْمَسْجِدُ وَلاَ وَادِي عُرَنَةَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْقَابِلَةِ عَلَى عَرَفَةَ كُلِّهَا مِمَّا يَلِي حَوَائِطَ ابْنِ عَامِرٍ وَطَرِيقَ الْحِصْنِ فَإِذَا جَاوَزْت ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ وَإِنْ تَرَكَ الرَّجُلُ الْمُرُورَ بِـ مِنًى فِي الْبُدَاءَةِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إنْ مَرَّ بِهَا وَتَرَكَ الْمَنْزِلَ، وَلاَ يَدْفَعُ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ وَيَبِينُ مَغِيبُهَا‏.‏

باب مَا يَفْعَلُ مَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَأُحِبُّ إذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ أَنْ يَسِيرَ عَلَى هَيِّنَتِهِ رَاكِبًا كَانَ أَوْ مَاشِيًا وَإِنْ سَارَ أَسْرَعَ مِنْ هَيِّنَتِهِ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا لَمْ أَكْرَهْهُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُؤْذِيَ فَإِنْ أَذَى فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَأُحِبُّ أَنْ يَسْلُكَ بَيْنَ الْمَأْزِمَيْنِ، وَإِنْ سَلَكَ طَرِيقَ ضَبٍّ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ فَيُصَلِّيَهُمَا فَيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَتَيْنِ لَيْسَ مَعَهُمَا آذَانٌ، وَإِنْ أَدْرَكَهُ نِصْفُ اللَّيْلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ صَلَّاهُمَا دُونَ الْمُزْدَلِفَةِ وَالْمُزْدَلِفَةُ مِنْ حِينِ يُفْضِي مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ وَلَيْسَ الْمَأْزِمَانِ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى أَنْ يَأْتِيَ قَرْنَ مُحَسِّرٍ وَقَرْنُ مُحَسِّرٍ مَا عَنْ يَمِينِك وَشِمَالِك مِنْ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ الْقَوَابِلِ وَالظَّوَاهِرِ وَالشِّعَابِ وَالشِّجَارِ، كُلُّهَا مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ وَمُزْدَلِفَةُ مَنْزِلٌ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ رَجُلٌ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَرَجَ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَمْ يَعُدْ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ افْتَدَى، وَالْفِدْيَةُ شَاةٌ يَذْبَحُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا وَأُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ يَقِفَ عَلَى قُزَحٍ حَتَّى يُسْفِرَ وَقَبْلَ تَطَلُّعِ الشَّمْسِ ثُمَّ يَدْفَعَ وَحَيْثُمَا وَقَفَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ أَوْ نَزَلَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ اسْتَأْخَرَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَ الْمُزْدَلِفَةَ فَلَمْ يَنْزِلْهَا وَلَمْ يَدْخُلْهَا فِيمَا بَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ إلَى صَلاَةِ الصُّبْحِ افْتَدَى وَإِنْ دَخَلَهَا فِي سَاعَةٍ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَسِيرُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى هَيِّنَتِهِ كَمَا وَصَفْت السَّيْرَ مِنْ عَرَفَةَ وَأُحِبُّ أَنْ يُحَرِّكَ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَزَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَاجْتَمَعَا فِي الْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ وَمِنْ الْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَيَقُولُونَ‏:‏ أَشْرِقْ ثَبِيرٍ كَيْمَا نُغِيرُ‏.‏ فَأَخَّرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ وَقَدَّمَ هَذِهِ‏.‏ يَعْنِي قَدَّمَ الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَخَّرَ عَرَفَةَ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَأَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعَ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ رَأَيْت أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَاقِفًا عَلَى قُزَحٍ وَهُوَ يَقُولُ أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبِحُوا أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبِحُوا ثُمَّ دَفَعَ فَرَأَيْت فَخِذَهُ مِمَّا يَحْرِشُ بَعِيرَهُ بِمِحْجَنِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ ابْنُ أَبِي يَحْيَى أَوْ سُفْيَانُ أَوْ هُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يُحَرِّكُ فِي بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَيَقُولُ‏:‏ إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا مُخَالِفًا دَيْنَ النَّصَارَى دِينُهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي يَزِيدَ يَقُولُ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ كُنْت فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ضَعَفَةِ أَهْلِهِ، يَعْنِي مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَى مِنًى‏.‏

دُخُولُ مِنًى

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أُحِبُّ أَنْ لاَ يَرْمِيَ أَحَدٌ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْمِيَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ إذَا رَمَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَخْبَرَنَا دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ دَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَأَمَرَهَا أَنْ تُعَجِّلَ الْإِفَاضَةَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَرْمِيَ الْجَمْرَةَ وَتُوَافِيَ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِمَكَّةَ وَكَانَ يَوْمَهَا فَأَحَبَّ أَنْ تُوَافِيَهُ‏.‏

أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا لاَ يَكُونُ إلَّا وَقَدْ رَمَتْ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِسَاعَةٍ وَلاَ يَرْمِي يَوْمَ النَّحْر إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحْدَهَا وَيَرْمِيهَا رَاكِبًا، وَكَذَلِكَ يَرْمِيهَا يَوْمَ النَّفْرِ رَاكِبًا وَيَمْشِي فِي الْيَوْمَيْنِ الْآخَرَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ رَكِبَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي قُدَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْكِلاَبِيُّ قَالَ‏:‏ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ عَلَى نَاقَتِهِ الصَّهْبَاءِ لَيْسَ ضَرْبٌ وَلاَ طَرْدٌ وَلَيْسَ قِيلَ إلَيْك إلَيْك‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجَمْرَةِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ حَيْثُمَا أَخَذَهُ أَجْزَأَهُ وَكَذَلِكَ فِي أَيَّامِ مِنًى كُلِّهَا مِنْ حَيْثُ أَخَذَهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُهُ مِنْ ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يَخْرُجَ حَصَى الْمَسْجِدِ مِنْهُ وَأَكْرَهُهُ مِنْ الْحَشِّ لِنَجَاسَتِهِ وَمِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَأَكْرَهُهُ مِنْ الْجَمْرَةِ؛ لِأَنَّهُ حَصَى غَيْرِ مُتَقَبَّلٍ وَأَنَّهُ قَدْ رَمَى بِهِ مَرَّةً وَإِنْ رَمَاهَا بِهَذَا كُلِّهِ أَجْزَأَهُ‏.‏

قَالَ وَلاَ يَجْزِي الرَّمْيُ إلَّا بِالْحِجَارَةِ وَكُلُّ مَا كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ حَجَرٍ مِنْ مَرْوِ أَوْ مَرْمَرٍ أَوْ حَجَرٍ بِرَامٍ أَوْ كَذَّانَ أَوْ صَوَّانٍ أَجْزَأَهُ وَكُلُّ مَا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ حَجَرٍ لاَ يَجْزِيهِ مِثْلُ الْآجُرِّ وَالطِّينِ الْمَجْمُوعِ مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ نِيئًا وَالْمِلْحِ وَالْقَوَارِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحِجَارَةِ، فَمَنْ رَمَى بِهَذَا أَعَادَ وَكَانَ كَمَنْ لَمْ يَرْمِ وَمَنْ رَمَى الْجِمَارَ مِنْ فَوْقِهَا أَوْ تَحْتِهَا أَوْ بِحِذَائِهَا مِنْ أَيِّ وَجْهٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلاَ يَرْمِي الْجِمَارَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَمَنْ رَمَاهَا قَبْلَ الزَّوَالِ أَعَادَ وَلاَ يُرْمَى مِنْهَا شَيْءٌ بِأَقَلَّ مِنْ سَبْعِ حَصَيَاتٍ فَإِنْ رَمَاهَا بِسِتٍّ سِتٍّ أَوْ كَانَ مَعَهُ حَصًى إحْدَى وَعِشْرُونَ فَرَمَى الْجِمَارَ وَلَمْ يَدْرِ‏:‏ أَيَّ جَمْرَةٍ رَمَى بِسِتٍّ عَادَ فَرَمَى الْأُولَى بِوَاحِدَةٍ حَتَّى يَكُونَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَكْمَلَ رَمْيَهَا بِسَبْعٍ ثُمَّ رَمَى الِاثْنَتَيْنِ بِسَبْعٍ سَبْعٍ، وَإِنْ رَمَى بِحَصَاةٍ فَأَصَابَتْ إنْسَانًا أَوْ مَحْمَلاً ثُمَّ اسْتَنَتْ حَتَّى أَصَابَتْ مَوْضِعَ الْحَصَى مِنْ الْجَمْرَةِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ فَنَفَضَهَا الْإِنْسَانُ أَوْ الْبَعِيرُ فَأَصَابَتْ مَوْقِفَ الْحَصَى لَمْ تَجْزِ عَنْهُ وَلَوْ رَمَى إنْسَانٌ بِحَصَاتَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ إلَّا كَحَصَاةٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْمِيَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَأَقَلُّ مَا عَلَيْهِ فِي الرَّمْيِ أَنْ يَرْمِيَ حَتَّى يُوقِعَ حَصَاهُ فِي مَوْضِعِ الْحَصَى، وَإِنْ رَمَى بِحَصَاةٍ فَغَابَتْ عَنْهُ فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ وَقَعَتْ أَعَادَهَا وَلَمْ تَجْزِ عَنْهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا قَدْ وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِ الْحَصَى، وَيَرْمِي الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى يَعْلُوهُمَا عُلُوًّا وَمِنْ حَيْثُ رَمَاهُمَا أَجْزَأَهُ وَيَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَمِنْ حَيْثُ رَمَاهَا أَجْزَأَهُ وَإِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْأُولَى تَقَدَّمَ عَنْهَا فَجَعَلَهَا فِي قَفَاهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يَنَالُهُ مَا تَطَايَرَ مِنْ الْحَصَى ثُمَّ وَقَفَ فَكَبَّرَ، وَذَكَرَ اللَّهَ وَدَعَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى إلَّا أَنَّهُ يَتْرُكُ الْوُسْطَى بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَكَمَةٍ لاَ يُمْكِنُهُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَيَقِفُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ مُنْقَطِعًا عَنْ أَنْ يَنَالَهُ الْحَصَى وَلاَ يَصْنَعُ ذَلِكَ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَيَصْنَعُهُ فِي أَيَّامِ مِنًى كُلِّهَا، وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلاَ فِدْيَةَ، وَلاَ بَأْسَ إذَا رَمَى الرِّعَاءُ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَصْدُرُوا وَيَدْعُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى وَيَبِيتُوا فِي إبِلِهِمْ وَيُقِيمُوا وَيَدْعُوا الرَّمْيَ الْغَدَ مِنْ بَعْدِ يَوْمِ النَّحْرِ ثُمَّ يَأْتُوا بَعْدَ الْغَدِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَذَلِكَ يَوْمُ النَّحْرِ الْأَوَّلُ فَيَبْتَدِئُوا فَيَرْمُوا لِلْيَوْمِ الْمَاضِي الَّذِي أَعْيَوْهُ فِي الْإِبِلِ حَتَّى إذَا أَكْمَلُوا الرَّمْيَ أَعَادُوا عَلَى الْجَمْرَةِ الْأُولَى فَاسْتَأْنَفُوا رَمْيَ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادُوا الصَّدْرَ فَقَدْ قَضَوْا مَا عَلَيْهِمْ مِنْ الرَّمْيِ، وَإِنْ رَجَعُوا إلَى الْإِبِلِ أَوْ أَقَامُوا بِمِنًى لاَ يُرِيدُونَ الصَّدْرَ رَمَوْا الْغَدَ، وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ الْآخَرِ‏.‏

قَالَ وَمَنْ نَسِيَ رَمْيَ جَمْرَةٍ مِنْ الْجِمَارِ نَهَارًا رَمَاهَا لَيْلاً وَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ نَسِيَ رَمْيَ الْجِمَارِ حَتَّى يَرْمِيَهَا فِي آخِرِ أَيَّامِ مِنًى وَسَوَاءٌ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إذَا نَسِيَهُ أَوْ رَمَى الثَّلاَثَ إذَا رَمَى ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الرَّمْيِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَضَتْ أَيَّامُ الرَّمْيِ وَقَدْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ ثَلاَثُ حَصَيَاتٍ لَمْ يَرْمِ بِهِنَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الرَّمْيِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ حَصَاةٌ فَعَلَيْهِ مُدٌّ، وَإِنْ بَقِيَتْ حَصَاتَانِ فَمُدَّانِ وَإِنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ ثَلاَثٌ فَدَمٌ وَإِذَا تَدَارَكَ عَلَيْهِ رَمْيَانِ ابْتَدَأَ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ حَتَّى يُكْمِلَهُ ثُمَّ عَادَ فَابْتَدَأَ الْآخَرَ وَلاَ يَجْزِيهِ أَنْ يَرْمِيَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ بِأَرْبَعَ عَشَرَةَ حَصَاةً، فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ مِنًى فَلَمْ يُكْمِلْ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الرَّمْيِ إلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ افْتَدَى- كَمَا وَصَفْت-‏:‏ الْفِدْيَةُ فِي ثَلاَثِ حَصَيَاتٍ فَصَاعِدًا دَمٌ، وَلاَ رَمْيَ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ‏.‏

قال‏:‏ وَكَذَلِكَ لَوْ نَفَرَ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ الرَّمْيُ أَهْرَاقَ دَمًا وَلَوْ احْتَاطَ فَرَمَى لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْحَجَّ وَلَهُ الْقَطْعُ وَيَرْمِي عَنْ الْمَرِيضِ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ وَقَدْ قِيلَ يَرْمِي الْمَرِيضُ فِي يَدِ الَّذِي يَرْمِي عَنْهُ وَيُكَبِّرُ، فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ بَأْسَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ فِي أَيَّامِ مِنًى فَرَمَى مَا رَمَى عَنْهُ أَحْبَبْت ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُرْمَى عَنْ الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الرَّمْيَ فَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ أَنْ يَرْمِيَ إذَا أُمِرَ رَمَى عَنْ نَفْسِهِ وَإِذَا رَمَى الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَرَمَى عَنْ غَيْرِهِ أَكْمَلَ الرَّمْيَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ عَادَ فَرَمَى عَنْ غَيْرِهِ كَمَا يَفْعَلُ إذَا تَدَارَكَ عَلَيْهِ رَمْيَانِ، وَأُحِبُّ إذَا رَمَى أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَرَى بَيَاضَ مَا تَحْتَ مَنْكِبَيْهِ وَيُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَلاَ فِدْيَةَ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ وَإِذَا كَانَ الْحَصَى نَجِسًا أَحْبَبْت غَسْلَهُ أَوْ ذَلِكَ إنْ شَكَكْت فِي نَجَاسَتِهِ لِئَلَّا يُنَجِّسَ الْيَدَ أَوْ الْإِزَارَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَرَمَى بِهِ أَجْزَأَهُ وَيَرْمِي الْجِمَارَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذْفِ لاَ يُجَاوِزُ ذَلِكَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجِمَارَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ بَنِي تَيْمٍ يُقَالُ لَهُ مُعَاذٌ أَوْ ابْنُ مُعَاذٍ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْزِلُ النَّاسَ بِمِنًى مَنَازِلَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ‏:‏ «ارْمُوا ارْمُوا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَالْخَذْفُ مَا خَذَفَ بِهِ الرَّجُلُ وَقَدْرُ ذَلِكَ أَصْغَرُ مِنْ الْأُنْمُلَةِ طُولاً وَعَرْضًا وَإِنْ رَمَى بِأَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْبَرَ كَرِهْت ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةٌ‏.‏

مَا يَكُونُ بِمِنًى غَيْرَ الرَّمْيِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَأُحِبُّ لِلرَّجُلِ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَكَانَ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَبْدَأَ فَيَنْحَرَهُ أَوْ يَذْبَحَهُ ثُمَّ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ ثُمَّ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ ثُمَّ يُفِيضَ فَإِنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا قَبْلَ نُسُكٍ مِمَّا يُعْمَلُ يَوْمَ النَّحْرِ فَلاَ حَرَجَ وَلاَ فِدْيَةَ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ «اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ»‏.‏ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْت قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ‏.‏ قَالَ‏:‏ «ارْمِ وَلاَ حَرَجَ»‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إلَّا قَالَ‏:‏ «افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ فَطَافَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْمِيَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ الطَّوَافِ، وَلَوْ أَخَّرَ الْإِفَاضَةَ حَتَّى تَمْضِيَ أَيَّامُ مِنًى أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَلاَ وَقْتٌ لِلْعَمَلِ فِي الطَّوَافِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ يَبِيتُ أَحَدٌ مِنْ الْحَاجِّ إلَّا بِمِنًى وَمِنًى مَا بَيْنَ الْعَقَبَةِ وَلَيْسَتْ الْعَقَبَةُ مِنْ مِنًى إلَى بَطْنِ مُحَسِّرٍ وَلَيْسَ بَطْنُ مُحَسِّرٍ مِنْ مِنًى وَسَوَاءٌ سَهْلُ ذَلِكَ وَجَبَلُهُ فِيمَا أَقْبَلَ عَلَى مِنًى فَأَمَّا مَا أَدْبَرَ مِنْ الْجِبَالِ فَلَيْسَ مِنْ مِنًى وَلاَ رُخْصَةَ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ عَنْ مِنًى إلَّا رِعَاءَ الْإِبِلِ وَأَهْلَ السِّقَايَةِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ السِّقَايَاتِ وَلاَ رُخْصَةَ فِيهَا لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السِّقَايَاتِ إلَّا لِمَنْ وُلِّيَ الْقِيَامَ عَلَيْهَا مِنْهُمْ‏.‏ وَسَوَاءٌ مَنْ اسْتَعْمَلُوا عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ أَوْ هُمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَنْ يَبِيتُوا بِمَكَّةَ لَيَالِي مِنًى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ مِثْله وَزَادَ عَطَاءٌ مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِمْ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ بَاتَ عَنْ مِنًى غَيْرَ مَنْ سَمَّيْت تَصَدَّقَ فِي لَيْلَةٍ بِدِرْهَمٍ وَفِي لَيْلَتَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ وَفِي ثَلاَثٍ بِدَمٍ‏.‏

قال‏:‏ وَلاَ بَأْسَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ أَكْثَرَ لَيْلِهِ بِمِنًى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ أَوَّلِ لَيْلِهِ أَوْ آخِرِهِ عَنْ مِنًى‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لَمْ يُفِضْ فَأَفَاضَ فَشَغَلَهُ الطَّوَافُ حَتَّى يَكُونَ لَيْلُهُ أَكْثَرَهُ بِمَكَّةَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ كَانَ لاَزِمًا لَهُ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ وَأَنَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَوْ كَانَ عَمَلُهُ إنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ افْتَدَى وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ إنَّمَا هُوَ لِزِيَارَةِ أَحَدٍ أَوْ حَدِيثِهِ، وَمَنْ غَابَتْ لَهُ الشَّمْسُ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بِمِنًى وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا نَافِرًا فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَيَرْمِيَ مِنْ الْغَدِ وَلَكِنَّهُ لَوْ خَرَجَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ نَافِرًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا مَارًّا أَوْ زَائِرًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إنْ بَاتَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لَوْ بَاتَ أَنْ يَرْمِيَ مِنْ الْغَدِ‏.‏

طَوَافُ مَنْ لَمْ يُفِضْ وَمَنْ أَفَاضَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَمَنْ قَدَّمَ طَوَافَهُ لِلْحَجِّ قَبْلَ عَرَفَةَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلاَ يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِلصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا وَمَنْ أَخَّرَ الطَّوَافَ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ مِنًى فَلاَ بُدَّ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا، وَالْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ أَمْرِهِمَا إلَّا أَنَّ عَلَى الْقَارِنِ دَمًا وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى الْمُفْرِدِ وَلِأَنَّ الْقَارِنَ قَدْ قَضَى حَجَّةَ الْإِسْلاَمِ وَعُمْرَتَهُ وَعَلَى الْمُفْرِدِ إعَادَةُ عُمْرَتِهِ، فَأَمَّا مَا أَصَابَا مِمَّا عَلَيْهِمَا فِيهِ الْفِدْيَةُ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَسَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُوَدِّعَ الْبَيْتَ وَإِنْ طَافَ بَعْدَ مِنًى، وَلاَ يَكُونُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَدَاعُ الْبَيْتِ إذَا طَافَتْ بَعْدَ مِنًى إنْ كَانَتْ حَائِضًا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَهِيَ مِثْلُ الرَّجُلِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَنْفِرَ حَتَّى تُوَدِّعَ الْبَيْتَ وَإِذَا كَانَتْ لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ بَعْدَ مِنًى لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَنْفِرَ حَتَّى تَطُوفَ وَلَيْسَ عَلَى كَرِيِّهَا، وَلاَ عَلَى رُفَقَائِهَا أَنْ يَحْتَسِبُوا عَلَيْهَا، وَحَسَنٌ لَوْ فَعَلُوا‏.‏

قَالَ‏:‏ وَإِذَا نَفَرَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يُوَدِّعَ الْبَيْتَ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا- وَالْقَرِيبُ دُونَ مَا تُقْتَصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ- أَمَرْته بِالرُّجُوعِ وَإِنْ بَلَغَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ بَعَثَ بِدَمٍ يُهْرَاقُ عَنْهُ بِمَكَّةَ فَلَوْ أَنَّهُ عَمَدَ ذَلِكَ كَانَ مُسِيئًا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُفْسِدًا لِحَجِّهِ وَأَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ دَمٌ يُهْرِيقُهُ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ لِلْمَرْأَةِ الْحَائِضِ‏.‏

قَالَ وَلَوْ طَافَ رَجُلٌ بِالْبَيْتِ الطَّوَافَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ ثُمَّ نَسِيَ الرَّكْعَتَيْنِ الْوَاجِبَةَ حَتَّى يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ، وَهَكَذَا تَقُولُ فِي كُلِّ عَمَلٍ يَصْلُحُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَالصَّلاَةُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ حَيْثُ ذَكَرَهُمَا مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ‏.‏

الْهَدْيُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ الْهَدْيُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَسَوَاءٌ الْبُخْتُ وَالْعِرَابُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ، وَمَنْ نَذَرَ هَدْيًا فَسَمَّى شَيْئًا لَزِمَهُ الشَّيْءُ الَّذِي سَمَّى صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَمَنْ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا أَوْ لَزِمَهُ هَدْيٌ لَيْسَ بِجَزَاءٍ مِنْ صَيْدٍ فَيَكُونُ عَدْلُهُ فَلاَ يُجْزِيهِ مِنْ الْإِبِلِ وَلاَ الْبَقَرِ وَلاَ الْمَعْزِ إلَّا ثَنِيٌّ فَصَاعِدًا وَيُجْزِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَيُجْزِي مِنْ الضَّأْنِ وَحْدَهُ الْجَذَعُ وَالْمَوْضِعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْحَرَمُ لاَ مَحِلَّ لِلْهَدْيِ دُونَهُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ الرَّجُلُ مَوْضِعًا مِنْ الْأَرْضِ فَيَنْحَرُ فِيهِ هَدْيًا أَوْ يُحْصَرُ رَجُلٌ بِعَدُوٍّ فَيَنْحَرُ حَيْثُ أُحْصِرَ وَلاَ هَدْيَ إلَّا فِي الْحَرَمِ لاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

قال‏:‏ وَالِاخْتِيَارُ فِي الْهَدْيِ أَنْ يَتْرُكَهُ صَاحِبُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُقَلِّدَهُ نَعْلَيْنِ ثُمَّ يُشْعِرَهُ فِي الشِّقِّ الْأَيْمَنِ‏.‏ وَالْإِشْعَارُ فِي الْهَدْيِ أَنْ يَضْرِبَ بِحَدِيدَةٍ فِي سَنَامِ الْبَعِيرِ أَوْ سَنَامِ الْبَقَرِ حَتَّى يُدْمِيَ وَالْبَقَرُ وَالْإِبِلُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَلاَ يُشْعِرُ الْغَنَمَ وَيُقَلِّدُ الرِّقَاعَ وَخَرِبَ الْقِرَبِ ثُمَّ يُحْرِمُ صَاحِبُ الْهَدْيِ مَكَانَهُ وَإِنْ تَرَكَ التَّقْلِيدَ وَالْإِشْعَارَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ الْإِحْرَامَ فَلاَ يَكُونُ مُحْرِمًا‏.‏

قال‏:‏ وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَهُ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ وَإِذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ رَكِبَهُ رُكُوبًا غَيْرَ فَادِحٍ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلَ الْمُعْيَا وَالْمُضْطَرَّ عَلَى هَدْيِهِ‏.‏

وَإِذَا كَانَ الْهَدْيُ أُنْثَى فَنَتَجَتْ فَإِنْ تَبِعَهَا فَصِيلُهَا سَاقَهُ وَإِنْ لَمْ يَتْبَعْهَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ لَبَنِهَا إلَّا بَعْدَ رِيِّ فَصِيلِهَا وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ أَحَدًا وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ فَصِيلَهَا وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَأَعْجَفَهَا غَرِمَ قِيمَةَ مَا نَقَصَهَا وَكَذَلِكَ إنْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا مَا يُنْهِكُ فَصِيلَهَا غَرِمَ قِيمَةَ اللَّبَنِ الَّذِي شَرِبَ‏.‏

وَإِنْ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا وَوَجَّهَهَا إلَى الْبَيْتِ أَوْ وَجَّهَهَا بِكَلاَمٍ فَقَالَ هَذِهِ هَدْيٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا وَلاَ يُبَدِّلُهَا بِخَيْرٍ وَلاَ بِشَرٍّ مِنْهَا كَانَتْ زَاكِيَةً أَوْ غَيْرَ زَاكِيَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَرِثُوهَا‏.‏

وَإِنَّمَا أَنْظُرُ فِي الْهَدْيِ إلَى يَوْمِ يُوجَبُ، فَإِنْ كَانَ وَافِيًا ثُمَّ أَصَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَوَرٌ أَوْ عَرَجٌ أَوْ مَا لاَ يَكُونُ بِهِ وَافِيًا عَلَى الِابْتِدَاءِ لَمْ يَضُرَّهُ إذَا بَلَغَ الْمَنْسَكَ، وَإِنْ كَانَ يَوْمَ وَجَبَ لَيْسَ بِوَافٍ ثُمَّ صَحَّ حَتَّى يَصِيرَ وَافِيًا قَبْلَ أَنْ يُنْحَرَ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِإِبْدَالِهِ مَعَ نَحْرِهِ أَوْ يَكُونَ أَصْلُهُ وَاجِبًا فَلاَ يُجْزِي عَنْهُ فِيهِ إلَّا وَافٍ، وَالْهَدْيُ هَدْيَانِ هَدْيٌ أَصْلُهُ تَطَوُّعٌ فَذَلِكَ إذَا سَاقَهُ فَعَطِبَ فَأَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَنَحَرَهُ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَغْمِسَ قِلاَدَتَهُ فِي دَمِهِ ثُمَّ يَضْرِبَ بِهَا صَفْحَتَهُ ثُمَّ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ يَأْكُلُونَهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَحَدٌ تَرَكَهُ بِتِلْكَ الْحَالِ وَإِنْ عَطِبَ فَلَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ فَلاَ بَدَلَ عَلَيْهِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْحَالَيْنِ فَإِنْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَتَرَكَ أَنْ يُذَكِّيَهُ أَوْ ذَكَّاهُ فَأَكَلَهُ أَوْ أَطْعَمَهُ أَغْنِيَاءَ أَوْ بَاعَهُ فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ وَإِنْ أَطْعَمَ بَعْضَهُ أَغْنِيَاءَ وَبَعْضَهُ مَسَاكِينَ أَوْ أَكَلَ بَعْضَهُ وَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ مَا بَقِيَ مِنْهُ غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ وَمَا أَطْعَمَ الْأَغْنِيَاءَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ لاَ يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَهَدْيٌ وَاجِبٌ فَذَلِكَ إذَا عَطِبَ دُونَ الْحَرَمِ صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَإِمْسَاكٍ وَعَلَيْهِ بَذْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ عَلَى مَسَاكِينَ كَانَ عَلَيْهِ بَدَلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا حِينَ عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ‏.‏

وَإِذَا سَاقَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ مَعَهُ أَوْ الْقَارِنُ لِمُتْعَتِهِ أَوْ قِرَانِهِ فَلَوْ تَرَكَهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ يَوْمَ النَّحْرِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَإِنْ قَدِمَ فَنَحَرَهُ فِي الْحَرَمِ أَجْزَأَ عَنْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ عَلَى النَّاسِ فَرْضَيْنِ فَرْضٌ فِي الْأَبْدَانِ فَلاَ يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ وَفَرْضٌ فِي بِالْأَمْوَالِ فَيَكُونُ قَبْلَ الْوَقْتِ إذَا كَانَ شَيْئًا مِمَّا فِيهِ الْفَرْضُ وَهَكَذَا إنْ سَاقَهُ مُفْرَدًا مُتَطَوِّعًا بِهِ وَالِاخْتِيَارُ إذَا سَاقَهُ مُعْتَمِرًا أَنْ يَنْحَرَهُ بَعْدَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَبْل أَنْ يَحْلِقَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَيْثُ نَحَرَهُ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ وَالِاخْتِيَارُ فِي الْحَجِّ أَنْ يَنْحَرَهُ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَحَيْثُمَا نَحَرَهُ مِنْ مِنًى أَوْ مَكَّةَ إذَا أَعْطَاهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ‏.‏

وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ كَانَ عَلَيْهِمَا هَدْيَانِ وَاجِبَانِ فَأَخْطَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِهَدْيِ صَاحِبِهِ فَذَبَحَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَدْيَ نَفْسِهِ وَرَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِقِيمَةِ مَا بَيْنَ الْهَدْيَيْنِ حَيَّيْنِ وَمَنْحُورَيْنِ وَأَجْزَأَ عَنْهُمَا وَتَصَدَّقَا بِكُلِّ مَا ضُمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكَاهُ حَتَّى فَاتَ تَصَدُّقُهُ، ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ قِيمَةَ الْهَدْيِ حَيًّا وَكَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَدَلُ وَلاَ أُحِبُّ أَنْ يُبَدِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِجَمِيعِ ثَمَنِ هَدْيِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بِثَمَنِ هَدْيِهِ هَدْيًا زَادَ حَتَّى يُبَدِّلَهُ هَدْيًا‏.‏

وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً نَحَرَ هَدْيَهُ فَمَنَعَ الْمَسَاكِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ أَوْ نَحَرَهُ بِنَاحِيَةٍ وَلَمْ يَحُلْ بَيْنَ الْمَسَاكِينِ وَبَيْنَهُ حَتَّى يُنْتِنَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَدِّلَهُ وَالنَّحْرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ مِنًى كُلَّهَا حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ مِنْ آخِرِ أَيَّامِهَا فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ فَلاَ نَحْرَ إلَّا أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَاجِبٌ نَحَرَهُ وَأَعْطَاهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ قَضَاءً، وَيَذْبَحُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُ ذَبْحَ اللَّيْلِ لِئَلَّا يُخْطِئَ رَجُلٌ فِي الذَّبْحِ أَوْ لاَ يُوجَدُ مَسَاكِينُ حَاضِرُونَ فَأَمَّا إذَا أَصَابَ الذَّبْحَ وَوَجَدَ مَسَاكِينَ حَاضِرِينَ فَسَوَاءٌ وَفِي أَيِّ الْحَرَمِ ذَبَحَهُ ثُمَّ أَبْلَغَهُ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَبْحُهُ إيَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ نَاسٍ‏.‏

وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ قِيَامًا غَيْرَ مَعْقُولَةٍ فَإِنْ أَحَبَّ عَقْلَ إحْدَى قَوَائِمِهَا وَإِنْ نَحَرَهَا بَارِكَةً أَوْ مُضْطَجِعَةً أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَيَنْحَرُ الْإِبِلَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَإِنْ نَحَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ أَوْ ذَبَحَ الْإِبِلَ كَرِهْت لَهُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَتْ عَنْهُ وَمَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ أَجْزَأَ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ، وَهَكَذَا مَنْ حَلَّتْ ذَكَاتُهُ إلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ فَإِنْ فَعَلَ فَلاَ إعَادَةَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَذْبَحَ النَّسِيكَةَ صَاحِبُهَا أَوْ يَحْضُرَ الذَّبْحَ فَإِنَّهُ يُرْجَى عِنْدَ سُفُوحِ الدَّمِ الْمَغْفِرَةُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا سَمَّى اللَّهَ عَلَى النَّسِيكَةِ أَجْزَأَ عَنْهُ وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي أَوْ تَقَبَّلْ عَنْ فُلاَنٍ الَّذِي أَمَرَهُ بِذَبْحِهِ فَلاَ بَأْسَ، وَأُحِبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ كَبِدِ ذَبِيحَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ أَوْ لَحْمِهَا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ بَأْسَ وَإِنَّمَا آمُرُهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ التَّطَوُّعِ وَالْهَدْيُ هَدْيَانِ وَاجِبٌ وَتَطَوُّعٌ فَكُلُّ مَا كَانَ أَصْلُهُ وَاجِبًا عَلَى إنْسَانٍ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ فَلاَ يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا وَذَلِكَ مِثْلُ هَدْيِ الْفَسَادِ وَالطِّيبِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالنُّذُورِ وَالْمُتْعَةِ‏.‏

وَإِنْ أَكَلَ مِنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ مِنْهُ وَكُلُّ مَا كَانَ أَصْلُهُ تَطَوُّعًا مِثْلُ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا تَطَوُّعًا أَكَلَ مِنْهُ وَأَطْعَمَ وَأَهْدَى وَادَّخَرَ وَتَصَدَّقَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لاَ يَأْكُلَ وَلاَ يَحْبِسَ إلَّا ثُلُثًا وَيُهْدِي ثُلُثًا وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثٍ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ هَدْيَهُ وَلَمْ يُشْعِرْهُ قَارِنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ هَدْيًا مِنْ مِنًى أَوْ مَكَّةَ ثُمَّ يَذْبَحُهُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْهَدْيِ عَمَلٌ إنَّمَا الْعَمَلُ عَلَى الْآدَمِيِّينَ وَالنُّسُكُ لَهُمْ وَإِنَّمَا هَذَا مَالٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِكَ السَّبْعَةُ الْمُتَمَتِّعُونَ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانُوا سَبْعَةً وَجَبَتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ أَوْ مُحْصَرِينَ وَيُخْرِجُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ مِنْ ثَمَنِهَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ‏.‏